التغريب الوجه الآخر للإرهاب هو نار حارقة تحت رماد، وخطر يفوق كل خطر ويجب الانتباه إليه والتصدي له واجتثاث جذوته لأنه يؤجج في النفوس داء الكراهية لبعض فئات المجتمع ويثير الضغائن، فهذا الزحف المركز الذي أطل برأسه على انتقاد الثوابت الدينية والاجتماعية والتقاليد والعادات ومحاولة الخروج عن كل ما يتعلق بأمور العقيدة والحياة الاقتصادية والاجتماعية وكثير من المجالات التي يسعون إلى النيل منها والسخرية بها وبمن يعمل بها أو يدعو إليها، وذلك بدعوى خبيثة وهي دعوى التحرر ومسايرة نمط الحياة العصرية، فهؤلاء الذين يقفزون على الحقائق ويلوون عنق الحق والحقيقة ويقفون على الجانب الآخر بتوجهاتهم وآرائهم في سائر أجهزة الإعلام وكذلك المنتديات فهم خطر على الأمة يستفزون العقلاء ويغررون بالسفهاء ويحرضون من في قلبه مرض، وذلك من خلال معارك كلامية ونظريات وسفسطات لم ينزل الله بها من سلطان، وهذه قد تكون الشرارة الأولى في زرع الفتنة بين فئات المجتمع مما يجب منعهم من تسويق آرائهم والتصدي لهم بحزم، فحرية الرأي لا تعني الخروج عن الثوابت الدينية والإخلال باللحمة الاجتماعية والوطنية . ومن المعلوم أن حرية كل إنسان تنتهي عند حد المساس بحرية الآخرين، فإن تجاوزت ذلك فإنها تصبح فوضى وهمجية. أياً كانت سواء بالكلمة أو الفعل وأن ترك الحبل على الغارب للإفتاء والتنظير في الدين مخالف لمصلحة الأمة، ولو أن هؤلاء يستندون فيما يدعون إليه بما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة لكان الأمر مقبولاً ولكن الفاجعة أن سند هؤلاء هو أن العصر تغير ولابد من السير في ركب العالم بغض النظر عن مشروعية الفعل حتى يحققوا الحريات للناس وهذا شر ووبال عاقبته الخسارة في الآخرة والتناحر في الدنيا، فعلى هؤلاء أن يتقوا الله ويعلموا أنهم مسؤولون عمّا يقولون إن كانوا يؤمنون به الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً نبياً.ويقتضي الأمر بأن يتم مواجهة هؤلاء بعلماء أفاضل يبينون لهم كساد بضاعتهم التي يروجونها في المجتمع ويدغدغون بها عقول بعض الشباب والطائشين حينما يبشرونهم بمولد عصر جديد يجدون فيه مرتعاً لعبثهم ورواجاً لسفههم وانطلاقاً إلى ساحات اللهو والتعدي على ثوابت دينية ومبادئ أخلاقية وضوابط اجتماعية لا تقبل المساس بها لأنها في النهاية ترتقي بالإنسان إلى السمو الأخلاقي، وان تركها أو التعدي عليها يعني النزول بالإنسان إلى مراتع الفساد والفوضى والرذيلة. لقد دعوا إلى التحايل في إباحة الربا بحجة أن الاقتصاد العالمي لا يحرم الربا وأن مسايرة العالم تتطلب عدم الركون إلى تحريم الربا وإلا كان ذلك تخلفاً اقتصادياً، ويطالبون بخروج المرأة من بيتها بكل الوسائل وخلع حجابها وتوسيع مجالات توظيفها بدعوى عدم تعطيل نصف المجتمع في حين أن هناك عشرات الآلاف من العاطلين من الرجال المؤهلين لم يحصلوا على وظائف فاهتموا بالمرأة وأهملوا الرجال مع أن الرجل هو المسئول عن الأسرة ونفقاتها، خرجوا عن المألوف وركنوا إلى الغمز واللمز حول العلماء والفقهاء وأئمة المساجد ورجال الحسبة وحلقات تحفيظ القرآن وكل من يتمسك بالعقيدة وتعاليم الدين وعدوا ذلك مثالب وعادات بالية وتقاليد بائدة وأن العصر يتطلب التحرر وعدم التجمد فجعلوا التمسك بالدين جموداً ورجعية وتخلفاً، وزينوا في عقول بعض الناس انفلات السلوك والتفسخ الأخلاقي، وجعلوا من الأخطاء التي يرتكبها بعض أهل العلم الشرعي حجة لهم على ضرورة التحرر من ربقة الماضي وقيوده، مع أنهم يعلمون أن تلك الأخطاء التي قد تحدث لا تنال من صلاحية المنهج ولا تخل بعظمته. وهؤلاء وأمثالهم من الذين لا يتورعون في إلصاق التهم بكل ما هو موسوم بالدين يجب الأخذ على أيديهم فهم يعيشون بيننا ومن المحسوبين على الأمة، وخطرهم أشد من خطر الأعداء لأن آراء هؤلاء تُحسب على المسلمين وتكون سلاحاً يستغله الأعداء وهي دعوى تغريبية تعتبر في حقيقتها جرائم اجتماعية ودينية لا تقل بحال من الأحوال عن جرائم الفساد في الأرض فالمفسد يتعدي على النفوس والأموال وهذا يتعدى على العقيدة والمبادئ والقيم، وكلاهما مجرم، بل قد يكون حال هذا الأخير أخطر لأنه من الأسباب التي يتخذها المفسدون ذريعة لأفعالهم فهم يبررون أفعالهم بأنهم يواجهون خطر التغريب، والتغريب هو أساس التخريب. اللهم أجمع شمل المسلمين على العقيدة الصحيحة وقهم شر الأعداء.