تنعم بلادنا بنعم كثيرة وهبها لنا المولى جلت قدرته، يأتي في مقدمتها نعمتا الأمن والرخاء، اللتان شكلتا معالم حياتنا اليومية، فقد صنعتا مناخاً مناسباً لنمو شجرة التنمية العملاقة، التي ظللت تضاريس الوطن بوافر النماء، مما جعل المملكة العربية السعودية تتبوأ موقعاً متقدماً على خارطة الإنجازات التنموية على المستويين الإقليمي والدولي، ولا شك أن المركز الديني والاقتصادي للمملكة قد جعلها هدفاً لكثير من تجار السموم الباحثين عن الثروة السريعة من جهة، ولمن يروم النيل من ارتباط أبناء الوطن بعقيدتهم وانتمائهم لمقدساتهم وقيمهم وشيمهم الاجتماعية من جهة أخرى، ولما كان قدر هذه البلاد أن تكون راعية لمقدسات المسلمين، قائمة بكل اقتدار على توفير الرعاية الشاملة للحجاج والزوار والمعتمرين، فإن ذلك قد دفع بتجار السموم إلى القدوم إلى بلادنا مستغلين ما تقدمه الدولة لوفود وضيوف الرحمن من تسهيلات في منافذ الوطن، أملتها المسؤولية الدينية لبلاد الحرمين، والمتفحص لمضبوطات وسائل التهريب لتجار ومروجي المخدرات، يلاحظ بجلاء مدى ما وصلت إليه هذه الفئة من فجور، فبعضهم لم يتردد في مباشرة تجويف المصحف الشريف وحشوه بالمواد المخدرة المدمرة للبنية النفسية والعقلية للإنسان، وآخرون عمدوا إلى وسائل متنوعة جارحة للكرامة الإنسانية، لتحقيق مكاسب مالية تذهب إلى أرصدة تجار السموم، أو إلى جماعات وخلايا إرهابية قد توجه أسلحتها إلى صدر المواطن وأحشاء الوطن، فتحقق بذلك تدميراً مزدوجاً، للبنية الاقتصادية سلفاً، وللبناء الاجتماعي للوطن لاحقاً، والمتتبع لمعركة أجهزتنا التشريعية والأمنية مع مهربي ومروجي المخدرات، يتبدى له بوضوح الجدية والصرامة في تشديد وتغليظ عقوبات تلك الجريمة المدمرة، فتدرجت وصولاً إلى القتل تعزيراً، وتنقل لنا أخبار المكافحة النجحات المتواترة للسواعد الأمينة على مسؤولياتها، والعيون الساهرة على أمن الوطن، المتدرعة في مواجهة سهام الحقد والطمع، ولعل ما تناقلته وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية من إنجازات أمنية، كانت تحمل إشارات واضحة الدلالة على حجم هذه الحرب القائمة بين الحق والباطل، فالكميات المضبوطة كفيلة بتدمير الأمة، وكأنما رصد لكل مواطن ومواطنة ومقيم ومقيمة جرعة من هذه السموم، لكن ما تم رصده لمواجهة ذلك من تقنية متطورة، وكفاءات وطنية مؤهلة، استكان في صدورهم الولاء والإخلاص لرسالتهم النبيلة، جعل جحافل الباطل تتهاوى أمام عزيمة الرجال، الذين انتموا إلى مدرسة الوطن الأمنية ، فباء جحافل الباطل بخزي العمل ووبال النتيجة، ومؤازرةً لذلك المجهود الوطني العظيم، فإن على المواطن الكريم أن يضع مساهمته في مواجهة هذا الداء، الذي يفتك بجسد الأمة ويقوض بناءها التنموي، فهو المستهدف وعليه أن يخرج نفسه من دائرة الاستهداف، بانضمامه إلى صفوف المواجهة، فهو الأب الذي عليه متابعة أبنائه فهم ثروته الحقيقية، وهو المعلم الذي يجب أن يرعى طلابه ويراقب سلوكهم، درءاً لاقتحام مروجي الفساد مناخهم التربوي فهم ثروة الوطن وعماده، وهو الإمام الذي يجب أن يجعل من رسالة المسجد جسراً يصل بين الناشئة ومجتمعهم المحيط فهم عتاد المستقبل التنموي، والأدوار الوطنية في هذا المجال متعددة يتعذر الإحاطة بها في مساحة محدودة، تتباين في وسائلها وتتسق في نتائجها، وإذا كان دور المواطن المنشود ذا قيمة، فإن دور المواطنة في مواجهة هذا الداء ذو فاعلية وأثر لا يمكن تجاهلهما، فهي نصف المجتمع في وجودها ، ومسؤولة عن تربية النصف الآخر منه، فمعركة الحق مع الباطل مستمرة يجب أن نساهم جميعاً في كتابة النصر فيها بإذن الله.