لا غرو ، إننا نعيش عصر المتناقضات عصر اختلط فيه الأمر على كل ذي لبّ ,عصر نحن صنعنا ثقافته الغالبة على كثير من تصرفاتنا حتى غدت تصرفاتنا وعاداتنا هي الأنموذج المثال لكل حقيقة وكل جميل , فعندما تجالس من تظنّ به العلم والمعرفة والثقافة تجد أن سلوكياته تتنافى مع ما يكتبه وما ينادي به في إنتاجه , وكذلك عندما ترافق من اعتلى المنبر خطيبًا او من تولّى أمرًا بين الناس تجده يمارس في حياته سلوكا منافيا لأقواله على المنبر او لمسؤوليته التي انيطت به في خدمة الناس . وعند البحث عن الأسباب والدوافع لهذا التناقض للأسف الشديد لا تجد مبررا لذلك الا تغليب الشهوات على العقل وتكريس مفاهيم خاطئة للوعي والكسب والحرية , إن ما يحدث في مجتمعنا له مؤشر خطير لمدى التسارع في الانحدار والتقهقر عن القيم والعادات التي شكلت ثقافة وتعامل من سبق من العلماء والأدباء والمثقفين والأئمة والذين خلد التاريخ أسماءهم بماء الذهب لأنهم كانوا متصالحين مع ذواتهم وكانوا يعون دورهم ومسؤوليتهم تجاه علمهم وثقافتهم تجاه المجتمع الذي وضعهم في مكانتهم والذين في الأصل هم من المؤثرين في تشكيل سلوكيات المجتمع0 ولهذا كان واقعنا مؤلمًا وداعيًا للكثير من الأسئلة والكثير من المراجعة ومن هذا المنطلق كان من الواجب علينا قراءة واقعنا من خلال سلوكيات مثقفينا كانوا علماء او أدباء او شعراء او فنانين او كل منتسب للثقافة فهؤلاء عندما ينسون دورهم ويتفرّغون الى مصالحهم الشخصية وتحقيق شهواتهم الدنيوية والتي تتناقض مع دورهم ومع أقوالهم ومسؤولياتهم سنجد محصلة ذلك انحدارا في سلوك المجتمع وهذا ما يُخشى منه على الأجيال القادمة0 قد يقول قائل: وأين الدّين من خطابك؟ إن الدّين للجميع وهو له الحكم في ما اختلفنا فيه ولكن ابتسار الدين في أفراد لا يخدم الدين ولا يمكن أن احمّل الدين سوء أفعالنا ولا أقبل بذلك حتى ممن تولّى الحديث باسمه او الحكم باسمه ، لأن ما يحدث هو عمل بشري غاب عنه التوجيه الرباني والهدي النبوي وحضرت الشهوات والأطماع والمكاسب الدنيوية لتظهر لنا مدى تناقضنا وقوة تشبثنا بالخطأ تحت طائلة مبررات ما انزل الله بها من سلطان وإنما تفاخر بالمال والجاه والشهرة والحضور. إننا نحتاج الى وقفة مع أنفسنا أولا ثم وقفة مع من مكنّاهم من تشكيل ثقافتنا وسلوكياتنا وعرض ذلك على الكتاب والسّنة ومن ثم محاسبتهم ومحاكمتهم إن أردنا للمجتمع الخير وان أردنا المحافظة على البقية الباقية من قيم ومثل وعادات اجتماعية وثقافية سطرها لنا القائمون حقا في سالف العصور بأماناتهم ومسؤولياتهم تجاه ما يملكون من علم ومعرفة وما حظوا به من تقدير اجتماعي ومكانة هم أهل لها لكن من يقود مجتمعنا الان ومن يتصدر مجالسنا وإعلامنا هم في الواقع من يخشى منهم بعد ان تفرّغوا للدنيا وملذاتها وتسابقوا الى تضليلنا بما يقولون ويكتبون وتناقض ذلك مع أفعالهم وسلوكهم وتركوا الدّور الأهم لهم وهو المساهمة في بناء ثقافة اجتماعية واعية تنتج سلوكًا واعيًا يتماشى مع الدين الإسلامي أولا ومع القيم والعادات والمثل والأخلاق السليمة في ظل ما يجدونه من تقدير واحترام ومن دعم من حكومتنا ومجتمعنا , ومن هنا وجب علينا جميعا التصدي لمثل هؤلاء من خلال كشفهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم وبيان خطورة ذلك على الأجيال القادمة وعلى المجتمع بعد تفشّي ظاهرة النفاق الاجتماعي والثقافي بيننا، كم أخاف من المستقبل في ظل كل هذا التردّي في سلوكياتنا الناتج عن تناقضاتنا في أفعالنا وأقوالنا وأحكامنا 0