عندما هبطت الطائرة ولامست عجلاتها مدرج المطار الأسفلتي بسلاسة وهدوء , صفق المسافرون مبدين إعجابهم بمهارة قائد الطائرة . وقد عبر ذلك التصرف البسيط عن وعي المسافرين وثقافتهم وتفاعلهم مع تغيرات الرحلات الروتينية وسرعة استجابتهم لكل طارئ . وهذه الأخلاقيات السفرية عنوان لصاحبها ودليل على مدى تحمله لمسؤولية مشاركة الآخرين المكان والطعام والشراب ودورات المياه وغير ذلك . وقد نصح أجدادنا بالسفر مع من نود تمحيص شخصياتهم وسبر عقليتهم ؛ وما ذلك إلا لأن السفر محك صادق لا يحتمل التكلف أو التمثيل وخاصة إذا طالت و شقت الرحلة على أفرادها . وما الجهل والتعنت والكسل والأنانية إلا نقائص تظهر للعيان بوجهها الكريه أثناء السفر لتؤكد أن السفر فن له أصول وليس وليد اللحظة ولا يترك للظروف المباركة ؛ بل هو متعة والأفضل أن يعيشها المسافر بكل لحظاتها مستمتعا بما فيها من فائدة واكتشاف وطرافة . والحقيقة أن تصرفات الناس تكاد تكون متشابهة , وكأنهم يوحون لبعضهم , فيسيرون خلف بعض ويكررون ما يفعله الآخرون , ومن المعروف أن الشخص المتعب الذي لم ينل ما يكفيه من النوم أو الراحة الشخصية يكون عرضه للتأثر السريع من الآخرين بل وضحية للاستفزاز والتصرف غير المنطقي . وإذا ساهمت الخطوط بأنواعها في خلق الظروف المستفزة كتأخير الرحلات أو رداءة الطعام وقلته أو عدم التنظيم ؛ فإن المسافرين أنفسهم يشاركون في تعقيد الأمور وتصعيبها على أنفسهم و بقية من معهم . وإلا فما الغرض من صراخ الراكب على المضيفين وافتعاله الشجار لمجرد أنهم لم يدلوه على مقعده ؟ وما هدف راكب آخر يترك أطفاله يركلون بأرجلهم ظهور المقاعد التي أمامهم دون أن يوجه لهم كلمة واحدة ؟ وما هو عذر السيدة التي اصطحبت طفلها وتركته يبكي طوال الرحلة لأنها لم تحضر له حفاظا آخر ؟ كم دقيقة يستفيدها المسافرون عندما يقفون بمجرد هبوط الطائرة ويتناولون حقائبهم من فوق رؤوس الناس برغم تحذير القبطان من ترك المقاعد قبل الوقوف النهائي للطائرة ؟ أين التعامل الجميل والظرف في المزاح مع المضيفة والحديث معها بكلمات تجهل معناها بينما تخدش أسماع بقية النساء ممن يفهمنها، ما هي المعرفة التي يكتسبها الراكب الذي يخضع جاره إلى تحقيق مفصل عن حياته وعمله وسفره ؟ لماذا يتحول الحمام إلى ساحة حرب تتناثر فيه القاذورات خلف بعض الأشخاص ؟ أعتقد أننا شعوب مازالت تتشبث ببقايا جاهلية ثقافية حول التقنيات الحديثة وكيفية التعامل معها , شعوب بدأت تخرج رأسها من كهف العزلة وتخشى الاحتكاك بالآخرين ومشاركتهم بأدب ورقي مجرد رحلة على طائرة !