لعل أهم ما يميز جانجي كرواية سعودية أنها غردت خارج سرب “الفضائحية” وكشف المستور،لم تحتف باللغة بل كتبت بسرد بسيط اعتنى بالهم الإنساني ، بالإنسان بوصفة روحا ومشاعر، تلك هي سمة الرواية الأساسية التي اشتغلت عليها رغم العنوان وصورة الغلاف ومنع النشر المحلي ،جانجي تقول إن الخل الوفي لا يزال رغم أن العرب قد وضعته منذ القدم إلى جانب الغول والعنقاء حيث مستحيلاتها الثلاثة ، إذن هو البعد الإنساني الذي دفع بوكيل وزارة الثقافة ابو بكر باقادر الى ترجمتها حيث يقول في لقاء سابق اجرته الوطن السعودية «الرواية ميزتها سلاستها، وما دفعني لترجمتها بالدرجة الأولى هو اشتمالها على البعد الإنساني والجوانب الحميمية، ولم تجنح لإدانة المجتمع المحلي باعتباره مصدرا للإرهاب على نحو ما أوردته بعض الأعمال التي تناولت هذا الموضوع أو أوحت به مثل (هند والعسكر) لبدرية البشر، و(الإرهابي 20) لعبدالله ثابت. ففي جانجي التي تتكون من خمس لوحات عفوية بسيطة، يتصاعد فيها الجانب الإنساني العميق، من خلال علاقة صديقين يتذكرها أحدهما بعد خروج الآخر، وتورطه في سجن قلعة جانجي في أفغانستان، ثم وصوله لمعتقل جوانتانامو، وانثيال الأحداث من خلال سرد الصديق، ومراسلته لصديقه، وإيراد كل المشاعر الإنسانية العميقة التي تؤكد أن ذلك السجين المتهم بالإرهاب ما هو إلا بشر له مشاعر وأحلام ويملك حبا وأغنيات وذكريات». غلاف رواية جانجي للرواي الأستاذ طاهر بن أحمد الزهراني والحديث هنا ليس عن جانجي كقراءة نقدية فلن ادعي ذلك بل هي الترجمة ، ذلك العمل المجهد خصوصا عندما يكون جهدا ذاتيا يتبناه شخص كان همه الأول نقل صورة - ارتآها جميلة وعميقة وصادقة - للآخر عبر الرواية التي هي ديوانهم ،فالرواية بوصفها ذلك الخط الموازي للواقع يمكن لها أن تحدث ذلك الأثر الذي تحدث عنه كولن ولسن في كتابه (فن الرواية) حيث يقول «إن الرواية لم يبلغ عمرها بعد سوى قرنين ونصف القرن ،ولكنها في ذلك الوقت غيرت من ضمير العالم المتمدن .إننا نقول إن دارون وماركس وفرويد غيروا وجه الثقافة الغربية ، ولكن تأثير الرواية كان أعظم من تأثير هؤلاء مجتمعين» . فالترجمة هي ذلك العمل القادر على صنع التحولات الكبيرة،فالجاحظ أمضى جزءا كبيرا من حياته الطويلة في بغداد حيث خلفاء بني العباس ،وبغداد حينها كانت بالنسبة للكثيرين هي مدينة السلام ،حيث يقال انك لم تر شيئا اذا لم تر بغداد ) ،كان الجاحظ ملاحظا ومفكرا موسوعيا وكانت الترجمة بالنسبة إليه عملا مهما تكلم عنه في كتابه الشهير «الحيوان « حيث قال عن من يشتغل بالترجمة : «وينبغي ان يكون اعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها حتى يكون سواء وغاية» ،فهو يركز على إتقان اللغة المصدر واللغة الهدف. وباقادر في ترجمته لرواية جانجي يفرد مقدمة من تسع صفحات مبتدئاً بالحديث عن العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر حيث تنطلق حملة منسقة بقيادة امريكا وحلفائها للقضاء على الإرهاب أين ومتى أمكن ،حيث الهدف الرئيسي للحملة هي الدول العربية والمسلمون اولئك الذين- كما ُأعلن- يكرهون أمريكا وإسرائيل كما يكرهون كل الأديان الأخرى وكل من لا ينتمي لغير الإسلام .ثم يوضح انه بصرف النظر عن الظروف التي قادت بطل الرواية إلى أفغانستان الا انه كان ضحية بريئة لظروف خارجة عن إرادته ،حيث يعطي السارد خلال الرواية ما يمكن أن يقال إنه ملحمة للمثالية والقيم والأمل الإنساني .كذلك يتحدث عن الخلط ومنذ فترة ليست بالقصيرة بين مصطلحي التطرف والإرهاب وذلك السؤال أن هل كل شكل من أشكال العنف هو إرهاب ؟ . أما بخصوص متن الرواية فقد كان واضحا أنها ترجمة لأديب متمكن حيث برزت اللمحة الفنية والأدبية والأمانة فبرز الاهتمام بمحاكاة النص الأصلي روحا ومشاعر ، فكانت الترجمة فنية ولم تكن قدرة لغوية فقط كما نقرأ بعض ترجمات الآداب العالمية التي يعصف بها الغياب الأدبي والذائقة الحسية حيث تغدو مسخا غير معروف الملامح .فعند با قادر كان الاتساق السياقي يغلب على الاتساق المفرداتي ،أي انك تقرأ ما كان يريد الكاتب أن يوصله فهناك فرق بين من يمتلك اللغة وحدها ومن يقبض ناصية الأدب لينقل لك فعله الذي هو الجمال .ولذلك يدور أحيانا بين المهتمين بقراءة الروايات المترجمة ذلك النقاش حين تذهب ترجمة معينة بجمال ما أبدعه الكاتب من جمال . وعودة الى جانجي وكاتبها طاهر الزهراني ،فالصديق ينبعث من جديد ، فالسارد الذي فقد صديقه فجأة ليعرف انه في مأزق حقيقي يفعل المثالية بمحاولة مد يد العون حتى وان انطوى ذلك على مخاطرة ! ،لا شك أن الرواية كان لديها ما تقوله ،يقول فوكنر عندما سئل مرة عن جيل نورمان ميلر،»انهم يكتبون كتابة جيدة ،غير انه ليس لديهم ما يقولونه «،فالكتابة الإبداعية وحدها لا تكفي لكتابة رواية جيدة بل هو التفكير الإبداعي فكل إنسان كما يقول سقراط لديه معرفة وما الأمر إلا معرفة كيفية إخراج تلك المعرفة . في النهاية يمكن القول إن الترجمة في عمومها هي الجسر الذي عبره تنمو الحضارات وتزدهر ولنا في بغداد بني العباس وحضارة الاندلس خير مثال ،واليوم هناك اليابان التي أنشأت مراكز هامة لترجمة البحوث العلمية وغيرها بميزانيات خيالية ،فالجهد الفردي يظل محدودا مهما بلغ غير انه لا يسعنا إلا أن نقدم لمن يتبناه خالص التقدير. المراجع: 1)جانجي ،رواية ،دار رياض الريس،2007 2)Janji.Arab scientific publisher،2009 3)فن الرواية،كولن ولسون ،الدار العربية للعلوم ناشرون،2008 4)مجلة الآداب العالمية ،ع138 ،2009،اتحاد الكتاب العرب