\"لم تعد المخاطر المهددة للأمن الفكري مجرد تنظير أو توقعات بل باتت حقيقة تستوجب مواجهتها الإلمام الواسع والدقيق بها. ووضع الخطط والاستراتيجيات العلمية للتعامل معها والحد من آثارها وتأثيراتها الآنية والمستقبلية\". ما تقدم مقتبس من كلمة سمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز لدى افتتاحه المؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري الذي بادرت إلى تنظيمه جامعة الملك سعود بالرياض. وهذه ليست المرة الأولى التي ينبه فيها الأمير نايف إلى المخاطر التي تهدد الأمن الفكري، فهو منذ سنوات طويلة وضع يده على مكمن البلاء الذي يفرخ الإرهاب، وقال سموه وما زال يكرر إن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي ولا مناص من المواجهة الفكرية التي من شأنها إطفاء شرارة التطرف والغلو قبل أن تتحول إلى نار إرهاب تحرق الجميع. ومع أن هذه المواجهة المطلوبة واجب جميع مؤسسات الوطن الحكومية والأهلية دون استثناء إلا أن وزارة الداخلية كانت سباقة، فهي لم تقف عند حدود تفوقها الأمني في مكافحة الإرهاب، بل بادرت إلى تكوين نواة للإصلاح والنصح والتهذيب لكل الذين قبضت عليهم من المتورطين والمتعاطفين والمؤيدين للفكر الإرهابي، لكن هذا وحده لا يكفي، إذ إن انتشار فكر التطرف والغلو وتجذره وتكريسه على مدى عقود يتطلب جهداً أكبر ومشاركة أوسع ووعياً أعمق، وضمن الجهود المبذولة في هذا الإطار جاء هذا المؤتمر \"الوطني الأول\" الذي جاء مؤكداً \"أن استخدام المنهج العلمي هو السبيل الأمثل لترسيخ مفهوم الأمن الفكري وتعزيز مقوماته ومواجهة المخاطر المحيطة به وتحديد مقوماته الأساسية وحصر العوامل المؤثرة فيه وصولاً إلى تحصينه من أي اختراق\"، وهذا التحصين لا شك يتطلب فيما يتطلب استراتيجية الأمن الفكري التي يجري وضعها من قبل كرسي الأمير نايف للأمن الفكري في جامعة الملك سعود والتي قال عنها الأمير نايف \"إنها استراتيجية سعودية الدراسة والفكر\" وكونها \"سعودية\" فإن هذا يعزز فرص شموليتها لرصد كل الأسباب التي أفضت إلى الإرهاب، كما يعزز فرص نجاحها في تحديد سبل معالجة تلك الأسباب، وضمان عدم اختراق سياج الأمن الفكري مستقبلاً. لقد حفل المؤتمر بالعديد من الأبحاث المهمة، والأوراق القيمة التي ستكون مفيدة جداً لمعدي ودارسي الاستراتيجية، فضلاً عن الفائدة الكبرى التي تحققها هذه الأبحاث والأوراق للمشاركين والحاضرين في المؤتمر طيلة أيام انعقاده، أو المتابعين لما تنشره الصحف من ملخصات وتقارير، بيد أن المطلوب أكبر وأوسع وأشمل. إنني أعتقد أن نجاح أي مهمة لتحصين الأمن الفكري مرهون بمدى وصولها إلى الطلاب والطالبات من المرحلة الابتدائية وحتى نهاية الجامعة، فهؤلاء هم أكبر شريحة متأثرة ومؤثرة، فكما يعلم الجميع أن فكر التطرف والغلو اخترق أول ما اخترق أذهان شبان أغرار في سن المراهقة ونجح ليس في إقناعهم فحسب بل وتجنيدهم ضد وطنهم أو ترحيلهم إلى بلدان أخرى، وقد شاع الفكر الضال بين هؤلاء الفتيان وتكاثرت أعدادهم حتى أصبح الواحد منهم لا يتردد في تكفير أبيه وأمه أو على الأقل تفسيقهما وقد عرف الجميع الآن نتائج ما تكرس من ذلك الفكر على مدار عقود، وما زالت له بقايا وذيول، ولهذا فإن التوجه بجهود تحصين الأمن الفكري نحو شرائح الطلبة والطالبات ومعلميهم ومعلماتهم أجدى نفعاً للوطن كله، وأكثر وأسرع تأثيراً في الجميع، فهؤلاء موجودون في كل بيت والرسالة عن طريقهم أسرع وأبلغ من أي وسيلة أخرى. والرسالة في الأساس يجب أن تكون لهم أولاً، فإذا نجحت في التغلغل داخل وجدانهم، فإن نقلها إلى غيرهم أسهل وأبسط. إنني أعتقد أن هذا الهدف يأخذ صدارة اهتمام واضعي ودارسي الاستراتيجية التي لا بد أن تنجح في أن تكون استراتيجية شخصية لكل مواطن سعودي.