الطلاق وجد في معظم المجتمعات إن لم يكن موجوداً فيها جميعاً، يقول (فولتير): (إن الطلاق قد وجد في العالم مع الزواج في زمن واحد تقريباً، غير أني أظن أن الزواج أقدم ببضعة أسابيع، بمعنى أن الرجل ناقش زوجته بعد أسبوعين من زواجه، ثم ضربها بعد ثلاثة، ثم فارقها بعد ستة... .... أسابيع)، وهذا كلام صحيح في مجمله، وربّما جانبه الصواب في تفاصيله، وبعض المجتمعات البدائية تمنع الطلاق، ولا تجيزه إلا في حالات خاصة مثل تعدد الزوجات، وفي بعض قبائل إفريقيا يحدث الطلاق لأسباب تافهة مثل عدم عناية الزوج بخياطة لباس زوجته..!! وفي معظم الثقافات الطلاق بيد الرجل، ولكن هناك ثقافات تجعل العصمة بيد المرأة، وفي بعض المجتمعات يتم الطلاق بدون سبب، ويتم بدون مقابل.. ومن المعروف في العالم كله أن الكاثوليكية تحرم الطلاق، ويضرب المثل بالزواج الكاثوليكي في الارتباط بالشيء وعدم القدرة على الفكاك منه، وقد إباحته البروتستانتية عند توفر واحد أو أكثر من الحالات التالية: 1- ثبوت الخيانة الزوجية من أحد الزوجين، يخول الطرف الآخر طلب الانفصال والطلاق. 2- القسوة وإحداث ضرر بالغ في الطرف الآخر. 3- المرض، وخاصة المعدي. 4- العقم، وعدم القدرة على الإنجاب. 5- الجنون.. وفقدان العقل. أما الإسلام الذي اختتم الله به الديانات السماوية، فقد أقرّ الطلاق وجعله آخر الدواء مثل الكي، ودعا إلى عدم التسرع في إيقاعه، فهو أبغض الحلال إلى الله كما جاء في الحديث، وحدد الإسلام أربع خطوات يجب استنفادها قبل إيقاع الطلاق، وتلك الخطوات جمعها الله سبحانه وتعالى في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فإن أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا () وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إصلاحا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}النساء (34 - 35).. والخطوات التي تحددها الآيتان الكريمتان تتمثل في الآتي: 1- الوعظ والإرشاد والنصح، وهذا يتم من خلال والد الزوجة، أو أمها، أو أحد أقاربها، أو منهم جميعاً، أو من صديقاتها، ويمكن أن يتم ذلك بطلب من الزوج، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن الزوجة المتضررة من زوجها، بأن تنصحه وتبحث عمن ينصحه لتسير سفينة الأسر بسلام ويسر. 2- وإذا لم يفد الوعظ والنصح فالهجر في المضجع، وهذا الأسلوب متبع في كثير من الثقافات في العالم، ومنها ثقافة الآمش التي تحدثنا عنها في مقال سابق على صفحات الجزيرة. 3- وإذا لم يفد الهجر، أجاز الشرع الضرب غير المبرح. 4- وإذا لم تفد الخطوات الثلاث السابقة فيتم اللجوء للتحكيم، {فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} (35) سورة النساء. إن نجاح التحكيم مرتبط بإرادة الإصلاح من قبل المحكمين في الأمر من أهل الزوج والزوج. ويجب على الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف لقولة تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}النساء: (19). وللتقليل من نسب الطلاق يجب مراعاة العوامل التالية: 1- يجب أن يتم الزواج على أسس سليمة، ويبنى على قواعد واضحة، (تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك..) (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير...). 2- إعطاء الشباب دورات إرشادية قبل الزواج. 3- وضع ضوابط لزواج الكبار من الصغيرات، مثل تحدد الفارق الزمني في العمر بين الزوجين. 4- توضيح شروط الطرفين في عقد الزواج مثل وضوح الأدوار، والعلاقات وقضايا اتخاذ القرار، وعمل الزوجة، ومشاركتها المادية في الصرف على الأسرة. 5- يجب التأكد من المقدرة الاقتصادية التقريبية للزوج على تحمل أعباء تكوين الأسرة. 6- يجب التأكد من التقارب والتجانس النسبي بين الطرفين قبل الزواج. 7- عدم تدخل الأقارب والأصدقاء في حياة الزوجين، إلا عندما يُطلب منهم ذلك، وفي حدود ضيقة. 8- إجراء فحوصات طبية دقيقة قبل الزواج للتأكد من السلامة من الأمراض، ومن السلامة من تعاطي المخدرات والمسكرات ونحوها من الآفات التي تهدم حياة الأسرة. يضاف إلى كل ما سبق، أن شبابنا وشاباتها يجب أن يتحلوا بثقافة الصبر والتحمل، ومواجهة المسؤولية وعدم الهروب منها، وأن يستنفدوا الخطوات التي تسبق الطلاق والتي شرحناها أنفاً، إنهم إن فعلوا ذلك قلت نسب الطلاق التي بلغت مستويات مخيفة وخاصة في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة.