أتمنى أن نضع \"انطباعاتنا\" الشخصية، أو الانطباعات السائدة \"تحت سطوة السؤال عن مدى دقتها من عدمه. وتحت وطأة التفكير في مدى معقوليتها من عدمه، هذه أمنية عامة. لكنها ألحت على ذهني، وأنا غارق في الدهشة من مقال الزميل العزيز الدكتور علي الموسى في ضميره المتصل يوم الجمعة الماضي تحت عنوان \"سد الذرائع وتبرير الشيخ: المرأة والسيارة\"، حيث وقع الدكتور في فخ المبالغة – ولا أريد أن أبدو مبالغا فأقول الظلم – الذي وقع فيه الشيخ الفاضل عبدالمحسن العبيكان الذي قال في معرض تبريره للمفاسد المترتبة على قيادة المرأة السعودية للسيارة \"إن أمان وأمن المرأة لن يتحقق في المطلق للقيادة في الشارع السعودي – لأن شبابنا للأسف الشديد سيحيل المسألة إلى فورة عارمة من التحرش بالمرأة وأن على الجميع أن يدرك أن الممارسات الخاطئة التي تبدر من شبابنا لا يمكن تصورها بالمقارنة بالمثال – لو ذهبت إلى أوروبا فلن تجد أحدا يتحرش بالمرأة – مثلما يحدث في شوارعنا ومن شبابنا السعودي\"، كان هذا الذي بين القوسين كلام الشيخ العبيكان مثلما كتبه الدكتور علي الذي بصم عليه بالعشرة، وكنت أتمنى لو أن الدكتور قبل أن يبصم، أن يسأل الشيخ العبيكان على ماذا استند في هذا الحكم على الشباب السعودي، ومن الذي أشاع ويشيع هذه الصورة \"المتوحشة\" لشبابنا، ولمصلحة من؟ ليس هناك دراسة علمية يستند إليها الشيخ الفاضل، حتى يجد هذا التأييد من الدكتور العزيز الذي اعتبر مقولة الشيخ إحدى \"المسلمات\" وراح يبحث عن المبرر ويتساءل عن كيفية ضبط هذا \"التوحش\". وأنا أيضا ليس لدي دراسة علمية أستند إليها لكي أنفي حكم الشيخ لكنني فقط أعيش في السعودية وأعرف أهلها. كما أنني هنا لا أريد مناقشة موضوع مبررات قيادة المرأة للسيارة أو منعها، فأنا لا يوجد في ذهني أي مبرر مقنع لمنعها، لكن الذي يعنيني هنا هو هذا الانطباع أو الشائعة التي تتهم الشباب السعودي بالتوحش الكاسر في علاقته بالمرأة، فأنا أشعر أن حكما كهذا يعد ظلما كبيرا لشبابنا، بل لمجتمعنا كله، فالذي سمع كلام الشيخ أو قرأ كلام الدكتور لابد أن يشعر أن نساءنا لا يستطعن التحرك خارج المنازل بمفردهن نهائيا، وأنهن لا يعرفن الأسواق ولا الطرقات ولا أعمالهن بدون وجود رجل من محارم كل منهن يحميهن من \"الوحوش الكاسرة\" التي تنتظرهن للاصطياد والافتراس، ولو كانت هذه الصورة صحيحة لأصبح من الطبيعي أن تكون قيادتها للسيارة بمفردها تشبه فعلا تهيئة الطريدة للصياد المفترس، لكن الواقع الذي يعيشه الناس في طول البلاد وعرضها غير هذا تماما، بل إن رعب التحرش المتوحش هذا لا يوجد إلا في أذهان وأوهام من اتخذوا منه مبررا لمنع المرأة أو استمرار محاولة منعها مما أباحه الله لها مدعوما بالعقل والمنطق والقياس، في التوظيف والتجارة ومختلف أوجه الحياة الطبيعية بما فيها حقها في قيادة السيارة. لدينا تحرش، ولدينا معاكسات، بل ولدينا اغتصاب مثلما يحدث في كل مجتمعات الأرض قاطبة، وصحفنا وصحف تلك المجتمعات تنشر هذه الحوادث \"الشاذة\" يوميا، فهي \"شاذة\" عندنا وعندهم وليست ظاهرة، لأن نساءنا مثل نسائهم، يتسوقن، ويعملن ويسرن في الشوارع من دون رجالهن، ولسن في هذا \"الرعب\" الذي يصوره الشيخ، ويؤيده الدكتور، ولا الرجال في السعودية \"مرعوبون\" على نسائهم فلا يسمحون كلهم لهن بالخروج إلا وهم معهن للحماية، فالحياة طبيعية في هذا الأمر إلى أبعد الحدود، والحوادث الشاذة من هذا القبيل هناك من يضبطها وإلا لما علمنا عنها، ولعلها تحتاج إلى قانون أشد وأدق لكنها لم ولن تدخل دائرة \"الرعب\" هذه، لأن شبابنا ورجالنا لا يختلفون عن نظرائهم في مجتمعات الأرض كلها، فهم إذا عدنا إلى خصوصيتنا عندهم دين وأخلاق، وهم لديهم أخوات وبنات وزوجات وأمهات يغارون عليهن، وبالتالي لا يستطيع الواحد منهم أن يعتدي على أخرى غيرهن ما لم يكن \"شاذاً\" والشاذ له من يضبطه، وهم إذا خرجنا من خصوصيتنا لا يختلفون في تكوينهم البشري في الجيني عن الشرقي أو الغربي، فهل نتصور أن تصدر دراسة علمية محكمة تثبت أن غالبية أو نصف أو ربع أو حتى عشر الشباب السعوديين يتحولون إلى \"وحوش كاسرة\" بمجرد رؤية \"المرأة السعودية\" بمفردها؟ هذه نتيجة مستحيلة، بل يستحيل على أي عقل راشد أن يفكر فيها فما بالك بإجرائها؟ إنني أقدر الشيخ العبيكان شخصيا وأحترم علمه واجتهاداته وأستفيد منها كما أنني أتفهم موقفه من موضوع قيادة المرأة للسيارة، لكنني أدعوه للبحث عن مبرر آخر للمنع غير مبرر \"التحرش المرعب\" هذا، فهو مبرر غير مقنع وغير معقول. أما الدكتور علي فأنا أدعوه للتأمل فقط، وسيجد أنه يدعم – من حيث لا يشعر – ما يتصور أنه يثبت عدم جدواه.