أشعر بالحزن والتعاطف الشديد لفئة من البشر ؛ يحتاجون إلى مساعدتنا , ومد يد العون لهم لانتشالهم مما يخوضون فيه , فهم وإن كانوا يخفون معاناتهم , ويكابرون لإخفاء سوء حالهم وضعفهم ؛ إلا أنهم أحق بالحزن على حالهم من كراهيتهم والحقد عليهم ! هل تعرفون من هم ؟ إنهم الحساد .. فهم يئنون من وجع الحسد وحرارته , يتعبون في ساعات يومهم الطويل , يكابدون ويلهثون , يرصدون حركات أهل النعم وسكناتهم , وعندما تحين لحظات الراحة ؛ يضعون رؤوسهم على وسائد متحجرة تفوح منها روائح المكائد والخطط ,فلا يغمض لهم جفن , يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال , فرشهم خشنة وأغطيتهم ثقيلة , يسترجعون شريط يومهم فيغلي الدم في عروقهم , وتتقلص الأمعاء في بطونهم , وتتصبب حبات العرق من أجسادهم , يتذكرون نجاح فلان وصحة علان وسعادة زيد وتجارة عمرو . الخطير في أمر هذه الفئة ؛ عندما يقترن حسدهم بالانتهازية والرغبة في تدمير الغير , وإلا فإن الحسد يمر على قلوب جميع الناس ,ولكنه يغادر مسرعا من القلوب النقية عندما يشعر فيها بالوحدة والغربة بين مشاعر الطيبة والخير و الخوف من الله , ولكنه يجد ملاذه ومقره في قلوب الساخطين الكارهين فيلقي فيها بعصا الترحال , ويبدأ في إشعال ناره التي لا تلبث أن تأكل القلب نفسه . وإذا يئسوا أن يتغير حال المتنعمين ؛ تتبعوا سقطاتهم وعيوبهم وسعوا إلى التشهير بهم ؛ لعل في ذلك ما يشفي سقم قلوبهم . ويعجز هؤلاء أن يدربوا أنفسهم على الغبطة (وهي تمني أن يكون لديه ما لدى الآخرين بدون زوال النعمة عنهم) ولكنهم يحرصون أن تزول النعم عمن يكنون لهم مشاعر الكراهية والحقد وذلك هو (الحسد) وبرغم أن العبد لا يملك أن يزيل النعم عن العباد إلا بإرادة الله , إلا أن الحسد وسيلة ناجحة للتنفيس عن المشاعر السوداوية لدى مرضى النفوس . كما أنهم يهدرون طاقاتهم ووقتهم فيما لا ينفعهم , وكان الأجدر بهم أن يكرسوا هذا الوقت في بناء حياتهم وتحقيق أمانيهم . نصيحتي للحساد المساكين أن يجدوا في الإيمان ملاذا يحميهم من نار الحسد والغيرة وأن يدربوا قلوبهم على القناعة والشعور الصادق بأن الأرزاق مكفولة للجميع بتفاوت نسبها بين البشر , وعليهم أن يدركوا بحق أن النعم فتن يختبر بها المؤمن , وإذا كان نصيبهم منها قليل فليحذروا من أن يفقدوا نعمة أخرى هي راحة البال وصفاء القلب .