في المساء جاء الموعد مع الشعراء السعوديين ومن بينهم شاعرنا الكبير محمد الثبيتي شفاه الله وعافاه.. ونحن في طريقنا إلى مقر المركز الثقافي في صنعاء اكتشفت سر شاعرية الثبيتي.. فهو من أسرة جميع أفرادها شعراء.. جده ووالده ووالدته وإخوانه ، الجميع شعراء.. وقلت إلى أي مدى تظن أن شهادة الناقد محمد العلي دقيقة حين قال لو تم اختيار أربعة شعراء على امتداد التاريخ الأدبي لكان محمد الثبيتي أحدهم.. ابتسم وقال هذا رأيه وأنا أعتز به ، سألته عن تجارب الشباب واستسهالهم قصيدة النثر.. فقال بأن خوض هذا المجال يحتاج إلى مدماك عريض كضرورة الإلمام ببحور الشعر و أوزانه.. أما أن يأتي الشاب ليقول القصيدة الحديثة ففي ذلك مغامرة.. ما إن هبطنا من الحافلة التي تقل الوفد.. وبدأنا نغذ السير في ردهات الجامعة.. حتى استقبلنا عدد من كبار المثقفين والمسؤولين اليمنيين وحين لمحوا محمد الثبيتي بدأوا يرددون مقاطع من قصيدته الشهيرة أدر مهج الصبح صب لنا وطنا في الكؤوس يدير الرؤوس وما إن تسنم الشعراء السعوديون منصة الإلقاء حتى كان الثبيتي علامة بارزة شعراً وإلقاء وحضوراً لم يصب خيول شعره الوهن أو التعب.. ولزملائه أيضاً حضورهم المبهج في ليل صنعاء وهم جاسم العساكر ، يحيى الشعيبي ، زينب غاصب أدار الأمسية المذيع المتألق عبده قزان.. وصفق الجميع حين قال الشاعر يحيى بيت شعر في قصيدة طويلة.. ( لو لم تكن أرض الرسالة موطني ،، لوددت حتماً أن أكون يماني ) الشاعر محمد الثبيتي معروف في صنعاء أكثر من مدينة جدة كانت عبارات الترحيب تفيض.. وعلامات الإعجاب تنداح إلى مسامع الجميع.. قلت للثبيتي يحق لنا أن نطلق عليك سفير الشعراء العرب.. ضحك الجميع .أمسية قال عنها الحاضرون ستحكي عنها أشجار البن وطلائع الورد. أثناء تجوالي في مدينة صنعاء.. تتسرب أصوات تمتزج بالفرح والحزن والشجن والألم.. الفنان فؤاد الكبس ينثر من حنجرته أغنية برائحة البن اليافعي نسناس.. تتماوج ذبذبات صوته لتصل إلى أسماع المحيطين أما يوسف البدحي فصوته تباريح حزن موشى بنكهة القهوة اليمنية خصوصاً حين يصدح بأغنية يستر عليك . يشد أهداب عيون المتجولين داخل شوارع العاصمة تلك اللوحات الدعائية لأنواع الجوالات وبطاقات الشحن.. مصحوبة بصور لشباب تعتلي واجهات المباني فضلاً عن مواقع النت وكأن لغة اليمن الحديثة تقول ها نحن ندخل إلى القرية العالمية بقوة وجرأة . الزائر لمدينة صنعاء يشعر بأنه في كل لحظة يكتشف شيئاً جديداً فالمباني القديمة تأخذ رونقاً جمالياً.. تشكل القمريات لوحات جمالية في واجهات منازلهم ويزبدها ألقا الزجاج المعتق بألوان زاهية.. حيث تضفي مساحة بصرية تريح الناظرين ، قلت لرفيقي سائق التاكسي سمير مرشدي – أي المواقع التي تراها جديرة بالزيارة كانت إجابته طازجة – قصر الإمام يحيى حميد الدين – انطلقت السيارة من شارع الحصبة وخرجنا من المدينة لتظهر أمامنا تكوينات لجبال صخرية.. كأن فناناً ضرب بريشته في مزيح من الألوان.. وبعد سير حثيث للسيارة في طرقات برية تبدت لنا قرية في أحضان الجبل وهي قرية همدان موطن الهمداني صاحب كتاب صفة جزيرة العرب.. بعد أن التقطت عدة صور انعطفت السيارة شرقا لنشاهد قصراً انبثق من حشاشة الجبل.. يتموسق على ظهر الجبل كطائر أسطوري.. زين ريشه باللون الأبيض بدت النوافذ كلحاظ العذراوات اللواتي يستمتعن برمي سهام لحظاهن على المفتونين بهن.. مشهد رومانسي وحضاري وتاريخي وعمراني مررنا بقاعة مبنية من الحجارة المستطيلة أمامها ثلاث نافورات صخرية هي مكان استقبال كبار الضيوف بجوارها شرفة تطل على بستان مخضل بأشجار الفواكه.. كذلك بناء معماري عبارة عن مسجد الإمام وإلى جواره حمام بخار تركي . أما مدخل القصر فله طريقان أحدهما سري والآخر درج من أحجار صلبة لتفضي إلى العديد من الغرف والإطلالات لرؤية مساحات الوادي الأخضر.. يقول أحد المرشدين السياحيين بأن بناء القصر مر بثلاث مراحل الأولى تعود إلى عهد دولة سبأ والثانية منذ سبعمائة سنة أما الأخيرة فترجع إلى عهد الإمام منذ مايزيد عن مائة عام في العهد التركي.. ويتميز القصر بمداميكه السميكة وغرفه ومخازنه وشرفاته والبئر بفتحتين مثقوبتين في الصخر واللتين يزيد عمقهما عن 200 متر. القصر يزيد عدد أدواره عن سبعة أدوار كان يسكنه الإمام وزوجاته وحرسه