محاذير الاستثمار الزراعي في فيتنام د. محمد بن حامد الغامدي* هل سيستمر المستثمر السعودي في تجارب زراعة الأرز على الأرض الأثيوبية؟!.. ذاكرتنا اكتظت واظلمت، من سماع كوارث الفقر والمجاعات والحروب في ربوعها.. كنتيجة، نترك أثيوبيا متجهين بالحديث إلى فيتنام، في جنوب شرق آسيا.. الصين واندونيسيا جارتان من الشمال والغرب.. ورد اسم دولة (فيتنام) ضمن قائمة الدول المرشحة للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج.. اسمها الرسمي [جمهورية فيتنام الاشتراكية].. اسم لا يعنينا في شيء.. لكن العرب يحبون الاختصار، وتسهيل الصعاب، وتيسير الأمور.. وعن فيتنام هناك أسئلة كثيرة.. اسم فيتنام يتردد مع كل هجوم غربي على العرب.. قالت العرب سيجعلون من العراق فيتنام ثانية.. وقد صدقوا.. ولكن هل تعرفون كيف؟!.. عرفتم موقع فيتنام، وشكل خارطتها.. لكن هل تعرفون اسم عاصمتها؟!.. الجواب لا يهم.. المهم معرفة تاريخ فيتنام مع الحروب.. فيتنام أنتجت (هوشي منّه).. زعيم نحر كبرياء أمريكا.. نحرها دون تردد وبشجاعة وكبرياء فيتنامية.. نحرها بتوليفة بسيطة من الإرادة.. وقبل نحر كبرياء العدو، تحولت الأرض الفيتنامية إلى مستودع نفايات.. مستودع هائل لكل أنواع السموم والمبيدات، مع رفات (4) ملايين قتيل.. بعض الدول المرشحة للاستثمار الزراعي، تمر بمجاعة من سنين طويلة.. لكن الأهم، هو الحقيقة المرة والمرعبة في فيتنام.. دولة ذات سيادة، لكنها عالم آخر من المشاكل والمصائب المؤرقة، على الأقل لأمثالي.. فيتنام تعرضت لسيل جارف من الغارات الجوية في القرن الماضي.. التاريخ يحفظ الكثير من المعلومات عن نوع هذه الغارات وأهدافها.. التاريخ يحمل الأرقام المفجعة لكميات السموم والمبيدات وأنواعها.. العلم يوضح تأثيرها الضار الذي يمتد لسنوات طويلة.. سموم تغلغلت في التربة.. سموم اختلطت بالمياه.. ارض فيتنام مستودع هائل للسموم والمبيدات.. هل درس المستثمر السعودي هذا الوضع؟!.. هل تعي الوزارات المعنية هذه الحقيقة.. هل هناك ضمان، لنا كمواطنين، على سلامة الإنتاج الغذائي من فيتنام؟!.. أم أن الجميع يتمتعون بحرية مطلقة، وعلينا كمواطنين، تجرع السم (الهاري)، من اجل عيون هؤلاء المستثمرين؟!.. هذه حقائق تثير الكثير من القلق والرعب.. والكثير من التساؤلات عن مثل هذا الاستثمار.. أمطرت الطائرات على الأرض الفيتنامية، كل أنواع السموم والمبيدات المعروفة وغير المعروفة.. حتى الغابات تم إبادتها وحرقها بكل أنواع السموم.. حتى الجنود الأمريكيين، الذين تعرضوا لهذه المواد عن طريق الخطأ، مازالوا يعانون.. هذه حقائق، ليست تخيلات أطفال، أو حكايات عجائز في أسواقنا الشعبية.. التساؤلات تطفو، ويجب أن تطفو بقوة، حول الاستثمار الزراعي في فيتنام.. لا نريد أغذية تسبب الأمراض والمشاكل الصحية.. لا نتحدث عن أزمة ثقة فقط.. نتحدث عن أزمة مراقبة.. أزمة غياب حماية المستهلك.. حماية غائبة وستظل على الأقل في المنظور القريب.. الدليل قائم بين أيدينا حاليا.. هناك شركة كبيرة تسوق اسماك مستوردة من فيتنام على أنها (هامور).. ومكتوب على شرائح الأسماك: هامور فيتنامي.. هذه كذبة كبيرة.. هذه بجاحة شنيعة.. الشرائح ليست شرائح سمك (الهامور).. هي لنوع من الأسماك التي تعيش في المستنفعات والأنهار الفيتنامية التي كانت ساحة حرب ضاربة.. يسمى (قرموط فيتنامي).. يتم تسويقه أيضا من شركة أخرى باسمه العلمي الذي لا يفهمه المستهلك.. وعندما يسأل عن نوعيته تكون الإجابة جاهزة: هذه شرائح سمك الهامور.. السؤال الكبير.. السؤال المرعب، هل هذه الأسماك آمنة صحيا؟!.. هل هذه الأسماك خاضعة بالفعل لمعايير الجودة الصحية؟!.. إذا كانت الشركات السعودية تسوقه على انه هامور، وهذا كذب علني، فكيف لنا أن نصدق انه آمن صحيا؟!.. هذا يقودنا إلى محاذير الاستثمار الزراعي والسمكي في بعض الدول التي تعرضت لحروب تاريخية طويلة مثل فيتنام.. أرضها أصبحت مستودعا للمبيدات والسموم المحرمة دوليا.. استخدمت بكثافة لحرق الأرض وإفسادها.. حماية المستهلك السعودي أمر في غاية الأهمية في ظل الاستثمار الزراعي الخارجي.. الحماية لها قوالب متعددة.. هل هناك جهة تتحمل كافة النتائج، وتتحمل مسؤولية أي فشل، مثل حملها شرف أي نجاح يتحقق ويدوم؟!.. ويستمر المقال بالمزيد من التساؤلات.. وبعنوان آخر. ___________________ * كاتب بصحيفة \"اليوم\" السعودية