تبذل الدول والحكومات جهوداً كبيرة في وقاية أبنائها من أمراض مثل شلل الأطفال والجدري والالتهاب الكبدي والحصبة، وتنفذ خططاً كبيرة لتطعيم الأطفال باللقاحات التي تزيد -بإذن الله- من مقاومة الجسم لهذه الأمراض، وقد أسفرت هذه الجهود في كثير من البلدان إلى محاصرة هذه الأمراض في أضيق نطاق، والقضاء على بعضها تماماً، لكن في المقابل ظهرت نوعية أخرى من الأمراض والمخاطر الصحية التي لا يُوجد لها تطعيم للوقاية منها، وهذه الأمراض يمكن أن يُطلق عليها أمراض التكنولوجيا الحديثة التي باتت تهدد جيلاً كاملاً بفقدان السمع والبصر وربما حواس أخرى. ولا نبالغ في الحديث عن خطورة هذه الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، فالعالم كله أصبح يتحدث بخوف كبير عن الخطر الداهم الذي بدأ يستفحل مع ظهور أجهزة الاستماع الحديثة من مشغلات (MP3) وأجهزة (Ipod) وغيرها، وهناك العديد من الدراسات والبحوث العلمية التي تصدر يومياً، وتدق أجراس الخطر محذرة من استخدام هذه التقنيات لما يرتبط بها من الآثار التدميرية لعصب السمع وأعصاب الإبصار بالمخ. وتتضاعف خطورة هذه الأمراض المرتبطة بالتكنولوجيا عندما نعلم أن الشباب هم الشريحة الأكثر عرضة للإصابة بها، لأنهم الأكثر استخداماً لهذه التقنيات، وهناك حالات لفنانين وفنانات مشاهير في الغرب، يعانون من مشاكل في السمع والإبصار نتيجة الاستخدام المفرط لأجهزة الاستماع الحديثة، أو إدمان التعامل مع أجهزة الحاسب والهواتف الخلوية. وعلى الرغم من المحاولات الشرسة للشركات المصنعة لتلك التقنيات في التشويش على نتائج الدراسات العلمية المتخصصة حول أضرارها، إلا أن العالم تنبه بالفعل لهذه الأضرار واعترف بوجودها، وإن كانت آليات مكافحتها ضعيفة، ولا تتجاوز بعض المحاولات الفردية غير المنظمة، وأصبح من الشائع أن نقرأ ونرى في وسائل الإعلام العالمية تحذيرات من إدمان الكمبيوتر بين الأطفال، أو من الاكتئاب بين الشباب الأكثر تعاملاً مع الإنترنت، أو ضعف الإبصار لدى المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة يلعبون (البلاي ستيشن) عن طريق التلفزيون أو الكمبيوتر أو أجهزة الجوال. وروى لي أحد الأصدقاء، وهو عالم مشهور في مجال الحاسبات الإلكترونية وتقنيات المعلومات أنه تعرض لحالة من الأرق المزمن والصداع الذي حرمه النوم لعدة أيام، مما أضطره إلى اللجوء إلى طبيب نفسي تربطه به علاقة وطيدة، وحدث أن هذا الطبيب أصر على زيارة هذا العالم الشهير في منزله، وبعد أن تفحص ما يزدحم به المنزل من أجهزة تقنية متطورة في غرفة النوم والمعيشة وحتى المطبخ نصحه بأن يجرب النوم في مكان خال تماماً من هذه التقنيات، وكانت النتيجة كما رواها لي، أنه ظل نائماً لأكثر من 20 ساعة متواصلة، دون أي شعور بالصداع أو الأرق، وهذه التجربة الواقعية تقدم لنا حلاً عملياً للوقاية من أمراض التكنولوجيا، وتطعيماً سلوكياً لتجنب أضرارها قدر الإمكان حتى لا تتعرض الأجيال الجديدة لفقدان السمع أو البصر. ******************** *كاتب بصحيفتي "الجزيرة والبلاد" السعوديتان ، ومقاله هذا من "البلاد"0