يقول الله تبارك وتعالى "وجعلنا من الماء كل شيء حي". إن توافر المياه العذبة ضروري لحياة الإنسان، بل هي أهم مورد طبيعي لحياة الناس، ولضمان استدامة التنمية. وتزداد أهمية هذا المورد الطبيعي في الدول العربية عموماً، ودول الخليج التي تواجه ندرة في المياه العذبة على وجه الخصوص. فمن المثير جدّاً أن سكان الوطن العربي يمثلون نحو 5 في المائة من إجمالي سكان العالم، في حين لا يتوافر في الدول العربية مجتمعة سوى 1 في المائة تقريباً من المياه العذبة المتجددة في العالم. لذلك تُشير تقارير الأممالمتحدة إلى أن ندرة المياه العذبة مشكلة خطيرة تهدد مستقبل التنمية في الدول العربية بكاملها باستثناء السودان والعراق. ولا شك أن تزايد استهلاك المياه العذبة في الاستخدام الزراعي والصناعي، وكذلك الاستخدام الآدمي، يُعد السبب الأول لهذه المشكلة، إلا أن حدوث الجفاف من سنة إلى أخرى قد يسهم في زيادة حدتها في بعض المناطق. وترتبط ندرة المياه بالنمو السكاني ارتباطاً وثيقاً، خاصة مع تدفق أعداد كبيرة من العمالة إلى منطقة الخليج. فتزايد السكان يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه العذبة، خاصة مع وجود الهدر الكبير في الاستهلاك، والتسربات في شبكات المياه، وغياب الرقابة على الضخ الجائز. وتُشير الإحصاءات إلى أن عدد السكان في المملكة يقدر بنحو 27 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف تقريباً ليصل إلى نحو 50 مليون نسمة عام 2050. ومع الزيادة السكانية وما يواكبها من تزايد في استهلاك المياه، فإن تغذية الموارد المائية العذبة المتجددة محدودة جداً. لذلك تشهد الموارد المائية تناقصاً مستمراً، في حين يستمر الاستهلاك في التزايد! وعلى الرغم من الإحساس بأزمة المياه في المملكة والاعتراف بخطورتها على مقدرات التنمية، ومع اهتمام الحكومة بهذا الموضوع، الذي تجسد في إنشاء وزارة خاصة بالمياه قبل بضع سنوات، إلا أن الهدر لا يزال مستمراً، وتنمية الموارد المائية لم تشهد إجراءات فاعلة في مجال التشريعات وصياغة الاستراتيجيات. تخيل – أيها القارئ الكريم - ماذا سيحدث لمدينة الرياض لو توقف إمدادها بالمياه من محطات التحلية على الخليج العربي لمدة شهر واحد؟ يمكن أن يجادل بعضهم بوجود مخزون كبير من المياه في الربع الخالي وبعض الأحواض الأخرى، ولكن لا يخفى على الجميع أن بعض هذه المصادر غير صالحة للشرب، وجميعها مهددة بالنضوب إذا لم يُحسن استغلالها. فجفاف عيون الأفلاج التي كانت تسيح على سطح الأرض قبل ثلاثة عقود (مأساة) ليست بعيدة عن الأذهان. وبما أن التغذية الطبيعية للمياه العذبة في المملكة محدودة جدّاً، فإن الأمر يتطلب نظرة جادة وخطوات عملية وعاجلة تفضي إلى صياغة استراتيجية وطنية لتنمية الموارد المائية وترشيد استخدامها. هناك أمور ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، مثل: (1) وضع قيود أو ضوابط لاستغلال المياه، فالمياه مورد عام لا ينبغي أن يستحوذ عليه أفراد أو فئات معينة. فلا بد من وجود نظام لتوزيع استخدامه وفق معايير وضوابط واضحة للحد من الضخ الجائر. (2) تشجيع استخدام طرق ري متطورة، واختيار محاصيل مناسبة للبيئة الصحراوية الجافة. (3) إدخال تقنيات متقدمة لترشيد الاستخدام المنزلي للمياه. (4) التوسع في تنمية الموارد المائية باستخدام الأساليب العلمية الحديثة مثل: تحلية مياه البحر، وإقامة السدود، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها وتنقيتها، واستمطار السحب. وأخيراً، لقد أسعدنا جميعاً موافقة مجلس الوزراء الموقر على استراتيجية الصناعة قبل أيام، وقبلها العديد من الاستراتيجيات، ولكن الموارد المائية لا تقل أهمية، بل ينبغي أن تأخذ الأولوية. فانتظار هذه الاستراتيجية يطول، ومصادر المياه تتعرض للنفاد والتلوث والضخ الجائر، ما قد يهدد مستقبل التنمية في بلادنا، أو يعرض صحة الناس للخطر. ********************************* *كاتب بصحيفة "الإقتصادية" السعودية.