جانب من البيوت القديمة بقرية شبرقه جانب آخر من البيوت القديمة بقرية شبرقه كم لنا – أنا وجميع أبناء جيلنا - من الذكريات - الطفولية - الجميلة في هذه البيوت التي تظهر في الصورة التي أثارت شجون الأخ سالم بن شداد – وشجون الجميع بلا شك - وفي كل البيوت القديمة في القرية عموماً .. هذه البيوت التي كانت تتسم بالبساطة والبدائية في الشكل .. ولكنها تحوي العظماء من الرجال والنساء .. الذين عندما نتذكر من عاصرنا منهم .. ونسمع عن من لم نعاصر ممن سبقوا .. ندرك كم كانوا عظماء حقيقيون .. وكم كانت حياتهم منظمة ومرتبة .. وكم كانوا حكماء .. وأهل أدب ، ومعرفة ، وحكمة ، وكم ضحوا في سبيل الحياة الكريمة .. وكم تعبوا وكابدوا من مشاق .. وعانوا من قلة ذات اليد ، وشح مصادر الرزق ، لكنهم رغم كل ذلك تمكنوا بقربهم من الله ، وتوفيقه سبحانه لهم ، تمكنوا من التغلب على كل ما أعترض طريقهم من صعاب .. لأنهم كانوا ببساطة أصحاب هدف واضح في الحياة .. فعملوا لتحقيقه بكل طاقاتهم فكان لهم ما أرادوا .. وعاشوا حياة مفخرة وعزٌ .. حافظوا فيها على أنفسهم .. وحافظوا على أرضهم .. وحافظوا على إنسان هذه الأرض وكرامته .. كانت حياتهم تسير وفق نظام عملي ومعيشي غاية في الدقة والإنضباط ، لا يُسمح بإختراقه تحت أي ظرف من الظروف ، فالرجل الكبير ، والشاب ، والمراءة ، بل وصغار السن من الفتيان والفتيات لكلٍ من هؤلاء دوره الذي يناسب إمكاناته وسنه وطبيعته الإنسانية .. وكان الرجلُ منهم رجلاً بمعنى الكلمة ، كان يدرك دور القوامة في المنزل ويضطلع به على أكمل وجه ، وكان الواحد منهم يعي دوره القيادي في مجتمع القرية ويقوم به على أكمل وجه ، دون تداخل ولا تعارض مع الآخرين ، وإذا ما حدث أي خلاف أو خصومة ، فكلٌ من أولئك الرجال يعرف مكانه وحدودة ، ويعرف من هم أهل العلم والمعرفة والحكمة في قريته ، ويعرف الكبير سناً للحمته (أهل قرابته) ، والكبير قدراً في قبيلته ، فيستمع لنصحهِ ، ويثق برأيه ، وينصاع لأمرة ، فيتم بهذا الوعي والتقدير المتبادل وإنزال كل إنسان منزلته ، يتم بذلك تجاوز أعتى الخلافات ، وحل أكبر الخصومات ، وبناءاً جسوراً من الأخوة والمحبة والتقدير ، لا يمكن أن تتزعزع من النفوس بسهوله على الإطلاق .. وكانت المراءة فيهم ضابطة الإيقاع لهذه الحياة في البيت والوادي (الوادي : كناية عن أماكن العمل خارج المنزل) وقاسمت شقيقها الرجل مشاق الحياة ومتاعبها ، وتحملت الكثير من التضحيات مع الرجل حيناً ، وبشكل منفرد أحايين آخر ، وكانت نعم المربية والراعية لأولادها ، حتى أن بعضهن مات زوجها وهي في مفتبل عمرها ، وفي عز شبابها ، فما خانت العهد ولا ضيعت الأمانة في حفظ أولادها وتربيتهم ورعايتهم حق الرعاية ، حتى ترعرعوا وشبوا ، وأشتد عودهم فكانوا من أكمل الرجال وأنفعهم لأنفسهم وأهليهم وجماعتهم ووطنهم .. ولا أريد أن يفهم أحد من قولي أنها لم تخن العهد ولم تضيع الأمانة أي أنها لم تتزوج بعد وفاة زوجها ، لا أبداً لم أقصد ذلك ، فزواج المراءة على سنة الله ورسولة بعد وفاة زوجها ليس خيانة ولا تضييع للأمانة ، بل قد يكون خيرٌ لها ولأبنائها ، وحفظٌ لها من أن تكون لقمة سائغة للمتربصين بالأعراض بالقول والعمل من ضعاف النفوس ، ومرضى القلوب ، وحفظٌ لحقوقها من أن تضيع وكرامتها من أن تمتهن وإنسانيتها من أن تُهان ، مع إن منهن من لم تتزوج بالفعل رغم ترملها في عز شبابها ، وكانت سيرتها تُشرّف القاصي قبل الداني .. ولكن الذي أعنيه بحفظها للعهد وقيامها بالأمانة أي أنها أبقت إهتمامها بهم ورعايتها لهم على رأس قائمة إهتماماتها ، ولم تنصرف إلى حياتها على حساب راحتهم وإستقرارهم وحسن تربيتهم ، بل كرست كل حياتها لهم ، حتى وإن تزوجت إحداهن ، فإن الهدف من زواجها صيانة نفسها وحصولها وأبنائها على سند قوي ، يحقق لهم الحماية اللازمة ، والرعاية الكافية ، والإدارة الحازمة ، التي تقودهم بإذن الله لخير دينهم ودنياهم ، وكان في رجال ذلك العصر من يدرك ذلك ، ويملك من المروءة والشهامة والشيمة ما يؤهله للتصدي لتلك المهمة بكل عزيمة وإقتدار . والحديث عن جيل الأباء والأجداد يطول ، وهو حديث ذو شجون ، عن تاريخ عظيم ، لرجال ونساء عظماء لم يأخذوا حقهم من التدوين والتوثيق والتتبع لمراحل حياتهم ، وطريقتها وما عانوا فيها .. والظروف القاسية التي عاشوها .. وهذه مهمتنا التي لابد لنا من الإضطلاع بها قدر المستطاع ، على الأقل من خلال صحيفتنا هذه .. وللحديث بقية . [email protected] ******************************* *أحد أبناء قرية شبرقة يعمل بشركة ارامكو السعودية ، ويعيش في مكةالمكرمة ، له مشاركات صحفية ومقالية غير منتظمة في صحيفة "المدينة" أقرأ للكاتب أيضاً : ---------------- * سعودية الهوى .. جنوبية المكان