نشرت جريدة اليوم قصة أهالي محافظة القطيف مع معلميها الستة الذين قضوا في حادث مروري بطريق أبو حدرية أمس الاول. ففي بلدة الأوجام شيع الأهالي فقيدهم حسن آل مبارك مساء، بينما شيع أهالي حي الشويكة علي حسن المخلوق، وشيعت بلدة الجش فقيدها حسين الخميس؛ وشيعت بلدة التوبي جاسم الشيخ وعلي الموسى. أما المصابون فهم : عبدالله المعلم، أحمد الهاشم، رضا الصغير، وافي آل مطر، علي آل محيميد، أحمد الحداد، وخلف كل واحد من هؤلاء قصة وحكاية، لكن إرادة الله قالت كلمتها الاخيرة، حيث كان الضحايا قادمين من مدينة حفر الباطن بعد الانتهاء من إجراءات التقدم للتوظيف لتعيينهم كمعلمين، إلا أن القدر كان لهم بالمرصاد، حيث انقلبت المركبة التي كانت تقلهم لتنتهي آمالهم وآمال أسرهم عند هذا الحد وفوق الاسفلت بطريق أبو حدرية. ولنعد الى الحكاية من البداية : فبعد الشباب 4 سنوات كاملة منذ تخرجهم في كلية المعلمين بالدمام؛ حصل الضحايا على وظائف "مؤقتة"، ضمن قرار أصدرته وزارة التربية والتعليم شمل تعيين 5951 معلماً و 236 محضر مختبر على مستوى المملكة. وقد تضمن القرار الصادر بتوقيع مدير عام الشؤون المالية والإدارية بوزارة التربية والتعليم صالح الحميدي "التعاقد مع بعض خريجي كليات المعلمين لدفعتي 1427 و 1428ه بنظام الساعة" وفي الوقت الذي تضمّن فيه القرار إنهاء إجراءات تعيين من تمّ التعاقد معهم؛ فإن تاريخ مباشرة العمل يجب ألا يسبق يوم 16 شوال المقبل، وهو ما يعني أن جميع المعينين لن يتقاضوا أيّ أجر إلا بعد ذلك التاريخ. كما أنهم لن يكون من حقهم الحصول على أجر بعد المباشرة! خاصة أن تاريخ المباشرة لن يأتي ولم يتبق إلا شهادات وفاتهم التي يمكن ضمها إلى أوراق التعيين! وداع للجميع مهدي لم يدرك حجم الفاجعة التي ألمت بأسرته فهو لم يكمل عامه الأول بعد , ماذا ستقول له أمه التي لاتزال غير مصدقة لما حدث لزوجها حسين الخميس "29عاما" الذي خرج من بيته مطلع الأسبوع وهو في أوج فرحته بقرار تعيينه كمعلم إلا أنه عاد جثة هامدة، لم يكن يعلم حسين وهو من أهالي قرية الجش أن هذه الرحلة التي انتظرها وزملاؤه منذ 4 أعوام بعد تخرجه في قسم الكيمياء ستكون رحلة إلى الموت، يقول أخوه خالد : استفاق حسين وقت صلاة الفجر حاملا طفله على كتفيه وراح يتجول به في البيت وكأنها لحظات المناغاة الأخيرة، جال من غرفة إلى أخرى يوقظ والديه لأداء الفريضة في مشهد يراه الجميع لأول مرة وكأنه يريد أن يودع الجميع ويكحل ناظريه بهم قبل الفراق الذي لا رجعة بعده، ويستطرد خالد في الحديث ليقول : كنت أقود السيارة إلى موقع تواجد "الحافلة" التي ستقله مع زملائه إلى حفر الباطن، فلم ينطق بكلمة خلال الطريق. كنت أشعر بشيء غريب يقبع على صدري وكانت شفتاي تريدان أن تنطقا بكلمات أحاول من خلالها أن أثنيه عن الذهاب إلا أن شيئا ما منعني، فإلى جنة الخلد أنت ورفاقك يا أبا مهدي. فاجعة ومصيبة وقال أقارب المعلم المصاب رضي الصغير "سائق الحافلة" : إنه غادر مع زملائه محافظة القطيف، متجهين إلى محافظة حفر الباطن لإنهاء إجراءات تعيينهم كمعلمين في مدارس المحافظة، باعتبارهم من المشمولين بقرار التعيين الذي صدر قبل أيام، مشيرين إلى أنهم أنهوا الإجراءات وقرروا العودة إلى القطيف، بحيث يباشرون العمل رسمياً مع بداية العام الدراسي المقبل، ولفتوا إلى أنهم كانوا في فرحة عارمة بعد التعيين الذي كانوا ينتظرونه منذ 4 سنوات، حيث تخرج بعضنا عام 1427ه، ورغم بعد المسافة بين القطيفوحفر الباطن تقبلنا الوضع" .. والصغير هو قائد "الحافلة الصغيرة " الذي لايزال يتلقى العلاج بمستشفى الجبيل ويعاني صدمة عصبية, استطاع أن يؤمن السيارة من أحد أقاربه ليجمع زملاءه في مركبة واحدة بدلا من الذهاب في عدة سيارات لتسير الأمور على خير ما يرام ويصلون إلى حفر الباطن وينهون اجراءات التعيين , وهموا بالعودة إلى محافظة القطيف ليحدث الذي لم يكن في الحسبان الإطار الخلفي للمركبة ينفجر ويخرجها عن السيطرة ليستفيق المصابون على هول المصيبة. أمنية لم تتحقق حسين الناصر أحد زملاء الفقيد حسن خلف المبارك (26 عاما) في الدراسة تحدث عن السنوات الأربع التي قضوها في كلية المعلمين بالدمام، حيث كان يدرس الفقيد في قسم الحاسب الآلي، فيما يدرس الناصر في قسم الكيمياء فقال : كانت الابتسامة لا تفارق محياه كان صاحب أخلاق جميلة , مضيفا أنه كان لديه هدف بأن ينجز ساعات الدراسة بأسرع فترة ممكنة، حيث عمل على أن تكون ساعات الدراسة في الفصل الأول أكثر من 20 ساعة فكان له ما خطط له ليتخرج العام الماضي. كانت أمنيته أن يكون مقر وظيفته مع صديقه هاشم الهاشم، حيث قدما للعمل في الاحساء إلا أنهما افترقا، حيث عين الهاشم في الاحساء والفقيد عين في حفر الباطن. نزيف الطريق إدريس العاشور هو الآخر رفيق درب المصاب الذي يرقد في العناية المركزة أحمد الهاشم يقول : تخرجت قبل الهاشم بفترة وأنا أعمل في حفر الباطن, ويضيف أن اتصالا جرى بينهما بخصوص الطريقة التي سيذهب الهاشم بها إلى حفر الباطن لإنهاء إجراءات التعيين, مشيرا إلى أنه كان متفقا على أن يخرج معي بسيارتي الخاصة الليلة "الجمعة" إلا أنه سرعان ما غير رأيه بعد أن أصبحوا مجموعة, ونوه العاشور إلى أنه حذر صديقه من أن الذهاب "بحافلة " مخاطرة ومغامرة حيث إن الطريق طويل والباص لا يتحمل الرياح. كما أن الطريق يعج بالتحويلات الخطرة إلا أن ذلك لم يثن الهاشم عن عزمه على الذهاب مع رفقائه، ويقول العاشور : نعاني كل أسبوع بسبب سوء الطريق لكثرة التحويلات فيه التي لا تزال منذ أكثر من عامين. فلقد فقدنا 3 معلمين كانوا معنا قبل 7 أشهر على نفس الطريق، فإلى متى سيستمر نزيف الدماء على هذا الطريق؟ غير مصدقين الراحل الشاب ناصر الناصر هو أحد لاعبي الفريق الأول في نادي الخويلدية ويحمل الرقم 14, تلقى زملاؤه نبأ وفاته بين المصدق وبين الذي لم يستوعب القصة فهم يحملون في ذاكرتهم ذكريات كثيرة تجمعهم بصاحب الخلق الرفيع كما يصفونه سواء داخل صالة التدريب أو في المباريات التي حملت الأفراح في حالة الفوز والعكس صحيح, يقولون : فقدنا لاعبا فذا وإنسانا كنا نتوقع له جميعا مستقبلا باهرا، لكن الأجل والقدر خطفاه بشكل سريع، وتساءل الأهالي : متى يدرك المسئولون في التربية والتعليم أن أرواح أبنائنا لا يمكن الاستهانة بها, المحافظات تفقد سنويا العشرات من أبنائها بسبب التعيين غير المدروس .. فمتى سيستفيقون؟!