كيف للمعادلة أن تنقلب رأسا على عقب، وقلب الأب الرحيم، يستحيل حجرا، كأن الرأفة سلبت منه وللأبد! حينها، تسمع حكايات ما كانت على بال أحد، وقصصا هي أقرب ل"غير المعقول"، منها لواقع حياة باتت أكثر تعقيدا. ساعتها، تخال نفسك في سجن "أبو غريب"، أو معتقل سري تحت الأرض، لا في دار أمن وأمان، وعش أسرة عربية كريمة!. ولكم القصة كما وردت في جريدة الوطن السعودية , حيث فتحت الجهات الأمنية والحقوقية، في العاصمة السعودية الرياض، باب التحقيق في قضية اعتداء مقيم من الجنسية المصرية، على زوجته الجزائرية، وخمسة من أطفاله، مطلع الأسبوع المنصرم، حيث تعمد الأب إغلاق باب الشقة التي يسكنها، واستخدام أنواع التعذيب ووسائله المختلفة، التي لا يمارسها إلا "الجلادون" في حق "أعدائهم"، بعد أن قطع أي وسيلة اتصال داخل المنزل، ولم تنتهِ معاناة الأسرة المحتجزة، والتي دامت قرابة اليومين، إلا بعد أن تعالت أصوات صراخ الأطفال، واستنجادهم بالجيران، لتتدخل "لجنة الحي"، عاملة على فك الحصار، ووقف التعذيب بحق الأطفال. إمام جامع "اللحيدان" بحي "الروضة"، بالعاصمة الرياض، سعود بن محمد القحطاني، سرد قصة العائلة المعذبة ل"الوطن"، قائلا "إن أحد جماعة المسجد أخبرهم عند صلاة فجر يوم الأحد من الأسبوع الماضي، بسماعه أصوات استنجاد وطلب إنقاذ، صادرة من شقة سكنية مجاورة. حيث قامت لجنة الحي بالاجتماع مباشرة بعد الصلاة لدراسة الموضوع، مقررة التريث أكثر حتى معرفة المزيد من التفاصيل"، مضيفا "بعد صلاة المغرب تلقيت اتصالاً من المدرسة النسائية للحي، تؤكد فيه لجوء زوجة صاحب الشقة لهم، وطلبها النجدة لإنقاذ أبنائها المحاصرين". ويواصل الشيخ ساردا تفاصيل القصة "تم الاتصال بالدوريات الأمنية، والتي حضرت إلى الموقع، دون أن تتدخل للإنقاذ الأبناء من المنزل وإخراجهم منه، رغم سماعهم أصوات استغاثة وصراخ ألأطفال، معللة ذلك بحجة عدم وجود صلاحية لديهم، تخولهم القيام بهذه المهمة، وأنه يتوجب على أمهم التوجه لتقديم طلب رسمي لقسم شرطة الروضة!". "توجهت الأم المسكينة مساء ذات اليوم (الأحد)، إلى قسم الشرطة، إلا أن الضابط المناوب، رفض التعامل مع بلاغ الزوجة، أو حتى تسجيله، أو أخذ أقوالها، فضلا عن إرسالها إلى المستشفى"، بحسب رواية الشيخ سعود القحطاني، الذي لا يخفي استغرابه من تصرف الضابط المناوب مع الزوجة المستغيثة، مضيفا أنه "بدلا من مساعدتها، رد الضابط المناوب عليها بقوله، غداً تتوجهين للقاضي و(الصباح رباح)". الزوجة التي لا تجد من تلوذ به، عادت جارة أذيال الخيبة، محتارة ماذا تصنع، لتتوجه لمنزل إحدى جاراتها، في انتظار المصير المجهول لها ولأبنائها الخمسة، الذين مازالوا أشبه ب"الرهائن"، في عهدة والدهم، بعد أن رفضت الشرطة التدخل!. "حينها، لجنة الحي تبنت المهمة، وقررت مخاطبة الأب بصورة ودية، لإنقاذ الأولاد"، هكذا كان الخيار الوحيد، كما يروي القحطاني، إلا أن الأب رفض فتح الباب، بل رد قائلاً "لا دخل لكم دعوا الشرطة تأتي"، مما اضطر أعضاء "لجنه الحي" معاودة المحاولة مرة أخرى مع قسم الشرطة. وهي محاولة يسرد تفاصيلها إمام الجامع، مبينا أنه "بعد الضغط الشديد على ذات الضابط المناوب، استجاب للموقف، وقام بإرسال أحد رجال الأمن، وفرقة من البحث الجنائي، لأخذ الأب والأطفال. لكن ما لبث الحال أن عاد، بإطلاق سراح الأب، وبصحبته أطفاله، بعد أقل من نصف ساعة من حضورهم لمركز الشرطة، بالرغم من وضوح معالم التعذيب على أجساد الأطفال جميعهم، وصعوبة حركتهم من شدة الألم، وبالرغم أيضا من طلبهم علانية من الضباط عدم العودة بمعية والدهم، إلا أن الرد جاءهم منه، سريعا، وقصيرا جدا، قائلا (هذا من عند القاضي)!". عودة الأبناء بخفي حنين، من مركز الشرطة، ودخولهم ل"المعتقل" الأبوي من جديد، دفع لجنة الحي إلى المحاولة مع الأب من جديد، متخذة موقفا مبدئيا في ذلك، لتقنعه تاليا، بعد أن قابلته، بأخذ الأطفال وتأمين الغذاء لهم -فقط-، حيث تم جمعهم بأمهم، في منزل أحد الجيران. الأم التي لم تصدق عودة فلذات أكبادها إلى حضنها، توجهت في صباح اليوم التالي، برفقة أحد أعضاء اللجنة، لمدير قسم شرطه "الروضة"، والذي تجاوب مع القضية، ووجه بتحويل الأم مع أبنائها إلى مستشفى "الإيمان"، لتثبت الفحوصات الطبية، وجود كسور في يد الابن الأكبر، وضعت عليها جبيرة لاحقا، وجرح واضح وكدمات في وجه الابن الثاني، كما تمت معالجة والدتهم بمسحات طبية، دون الحاجة لخياط شجٍ في رأسها. بعيد ظهور نتائج الفحص الطبي، حضر رجال الأمن لمعاينة شقة العائلة وتصويرها، وأخذ عينات من آثار الدم الموجودة في بعض أرجائها. كما تم اقتياد الأب، ووضعه في التوقيف، للتحقيق معه، لتعود الأم وأبناؤها لمنزلهم، دون أن يزول منهم هاجس الخوف من انتقام الأب، الذي قد يخرج بكفالة في أي وقت، مما قد يعرضهم للخطر من جديد، حيث لا مأوى بديل يلجؤون إليه!. الأسرة التي تعيش في غربة "الوطن"، وغربة "الروح"، ومعيلها يجلس خلف القضبان، حاول أهل الحي التخفيف من معاناتهم، حيث قاموا بجمع مبلغ من المال، وعملوا على طلاء الجدران، لإزالة آثار الدماء، وكذالك تم تأمين بعض الحاجيات، من ملابس ومستلزمات أطفال وغيرها. كما تم تكليف أحد المحلات التجارية، بتأمين أي طلبات تحتاجها العائلة وتسجيلها على نفقة لجنة الحي. مع توفير حراسة مستمرة للأم وأبنائها، خوفا من تعرضهم لمكروه ما. وفي حالة رغبة أحد الأبناء في الخروج من الشقة لأمر ما، يرافقه أحد المكلفين من قبل اللجنة، حفاظا على سلامته. رواية إمام جامع "اللحيدان"، الشيخ سعود القحطاني، استكملتها "الوطن"، بلقاء الزوجة الجزائرية، -تحتفظ الصحيفة باسمها-، والتي أكدت أنها كانت تعاني من زوجها في السنوات القليلة الماضية، بسبب "شدته الزائدة في التعامل. وربما يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الضرب، حتى أنه أعتدى بالضرب يوماً عليّ حتى فقدت الوعي"، مشيرة إلى أنها أم لخمسه أبناء، وتخاف على ضياع أبنائها، قائلة "خفت على نفسي وعلى أبنائي، وصبرت طيلة السنوات الخمس الماضية، ولم أرد أن أعذب أولادي في المرافعات والمحاكم، وكل هذه المعاملات التي لا تنتهي". ونوهت الزوجة في حديثها ل"الوطن"، إلى أن "السبب الرئيسي خلف الاعتداء والضرب في المرة الأخيرة، كان عائدا للشك من زوجي، في ارتباطي لا سمح الله، بعلاقات غير شرعية مع رجال آخرين". مطالباً أبناءها خلال تعذيبه لهم، بالاعتراف بذلك، كما تقول الأم، مدعية أن زوجها كان يطلب من أطفاله "توحيد كلامهم في اتهامي، قائلاً لهم لا بد أن توحدوا كلامكم أمام الشرطة، في خيانة أمكم، وأنها تهاتف غيري!". هذا الشك، دفع الزوج لاستخدام "وسائل تعذيب مختلفة، مستخدما الأسلاك، والسكين، والعض بالأسنان، وخرطوم الماء، وبعض أدوات المطبخ، والضرب باليدين، كما التهديد والوعيد" كما تخبرُ الزوجة، مضيفة "كان يستفرد بالواحد تلو الآخر في إحدى الغرف، وينهال بالضرب والشتم، متسائلاً عن نقاط يتهمني فيها بالخيانة" حيث كان "مجلس الرجال"، مكانا لمسلسل التحقيق الطويل. من جهته، أكد رئيس "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان"، د.مفلح القحطاني، في حديث ل"الوطن"، تسجيل الحادثة بالجمعية، وأنه "يتم متابعتها ودراستها حاليا، من كافة الجوانب، للتعرف على أسباب العنف، وإيجاد الحلول". مشيراً إلى أنه "ربما تقتضي الحلول الاتصال بسفارة البلد، أو إدخال جهة إصلاح ذات البين، أو التحويل للجهات القضائية". وأشار القحطاني إلى أن "تسجيل شكوى العنف الأسري لدى الجمعية، يتبع فيه إجراءات معينة، عند وجود البلاغات، للحيلولة دون البلاغات الكيدية، وغير الصحيحة، ليتم للجمعية التأكد من رصد الحالات المتكررة والمستمرة". الناطق الرسمي لشرطه منطقة الرياض، المقدم سامي الشويرخ، أكد تسجيل الحادثة بقسم شرطة "الروضة" الاثنين الماضي، وأنه تم إرسال الأشخاص المتضررين إلى المستشفى، للعلاج والحصول على تقرير طبي. وأشار الشويرخ ل"الوطن"، أنه "تم إيقاف الطرف المدعى عليه، وتم إشعار الهيئة الاجتماعية بإدارة الشؤون الاجتماعية بالرياض، بالقضية لمتابعتها".