لم يعد الأمر سرا، ولم يعد الأمر مخفيا، بل شاع وظهر وصار حديث العالم، وكثر الكلام حوله، وتناقلته جميع وسائل الإعلام لعظمته وخطورته، فهو بحق فضيحة ووصمة عار، وخروج عن القيم والمبادئ، وتمرد على النظام، ودعوة للتحريض والتأليب ضد المجتمع. إن ما أقدمت عليه بعض النساء من تقديم خطاب لوزيرة الخارجية الأمريكية لطلب العون منها للتدخل في شؤوننا، ومناشدتها بقولهن:( فأين أنت عندما نحتاجك بشدة ) يعدّ خرقا وشرخا يجب عدم السكوت عليه، فأسلوب مطالبة الغرب بالتدخل في شؤوننا الداخلية أمر خطير، وباب شر متى ما فتح سيجلب علينا الويلات والنكبات، وسيُجرّؤ السفهاء على المضي فيه قدما، وسيكرّرون طلبهم من الغرب للتدخل في قضايانا الاجتماعية، وسيكون سببا لحشر أنوف الغرب في شؤوننا. إنّ لحمة الوطن يجب أن تكون خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، وتكون المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة لدى جميع المواطنين بلا استثناء، فالغرب يجب التعامل معه بحذر، وعدم إقحامه في قضايانا الخاصة، فوزيرة الخارجية الأمريكية التي يناشدونها هي من صرحت بأن على السعودية السماح بالمظاهرات، ولما رد الله كيد الأعداء في نحورهم ممن طالبوا بمظاهرات ثورة حنين رجعت عن قولها وقالت: لكل مجتمع خصوصيته، وها هي الآن تصرح وتخذل من خاطبها بقولها:( المجتمع السعودي هو من يقرر ) لعلمها بأن المملكة العربية السعودية ولله الحمد لها سيادتها، ولها قيادة قوية رشيدة، ومنهج واضح يمنع منعا باتا التدخل في قضاياه وشؤونه الداخلية من أي شخص كائنا من كان. ومن المحزن أن هذا الفعل على شناعته وخطورته لم يتطرق إليه ويستنكره كثير من كتاب الصحف، إلاّ العدد القليل منهم ولهم منّا كل الشكر والتقدير لغيرتهم على مجتمعهم ولكن المصيبة في المصرّين على طرح الموضوع وإثارته بشكل تحريضي يدل دلالة واضحة على قصر نظرتهم، وتغليب أهوائهم، واعتبار القضية تحدٍ بين تيارين في المجتمع، متجاهلين فعل أولئك النسوة، بل بعضهم يلتمس لهن العذر، مع علم الجميع بما صرّح به صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية:( على أن قرار عدم السماح لقيادة المرأة للسيارة لا يزال سارياً وقائماً لدى الوزارة، استنادا على البيان الذي صدر في العام 1411 ه والذي قضى بعدم السماح بقيادة المرأة للسيارة) وبعد وضوح الصورة بالأدلة والبراهين على وجود أيدٍ رافضية وخارجية تحاول تأجيج القضية لخلق الفوضى بالمجتمع، ولأهداف وأبعاد أخرى لم تعد تخفى على كل ذي لب. وكما أننا لم ولن نرضى بمن يسلك العنف والإرهاب كي يحقق مطالبه، فكذلك لن نرضى بمن يستخدم الإرهاب الناعم لتحقيق مطالبه. لذا يجب أن تحاكم كل امرأة تجرأت وطلبت من الغرب التدخل في شؤوننا، لاسيما أصحاب الشأن منهن كالأكاديميات ممن لهن تأثير على بناتنا في الكليات والجامعات، أو الناشطات والإعلاميات قبل أن يستفحل الأمر، ويقع مالا يحمد عقباه، وتصبح عادة لكل من أراد مطلبا يرفضه النظام أو المجتمع أن يتقدم بخطاب للغرب يطلب منهم العون والنصرة، كما يجب أن يحاكم كل من حرض أو ساعد أولئك النسوة على ما أقدمن عليه كي نقطع الطريق على كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار مجتمعنا. يقول الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يروي قصته عندما تخلّف عن غزوة تبوك:( بينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلى كتاب من ملك غسان في خرقة من حرير فإذا فيه، أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء! فتيممت بها التنور فسجرته بها). وأخيرا أقول لهؤلاء النسوة ومن حرضهم وأيدهم أين أنتم من قصة الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه، فهذا الصحابي الجليل وجد من البلاء والكرب ما لا يتحمله إنسان، ومع كل هذا البلاء الذي واجهه أثناء محنته لم ينظر قط إلى أهدافه ومصالحه الشخصية، ولم يفكر بالعروض المغرية التي جاءته من الأجنبي، ولم يفكر بالذهاب إليه مع شدة ما وقع به، فكيف بمن منّ الله عليه بالأمن والإيمان، والراحة والاستقرار، وحفظه من كل بلاء وشدة، ومع ذلك يطلب المدد من الأجنبي، فشتّان بين مَن يُدعى مِن الأجنبي فيرفض، وبين مَن يسعى بطوعه واختياره للأجنبي، فالمسلم العاقل لا يلجأ ويستقوي بالأجنبي على أهله ومجتمعه مهما كان السبب. [email protected]