يُعدُّ التعليم في بلادِنا هاجس القيادة ومحور اهتمامها؛ نظراً لإدراكها التام بأنّ التعليم مصباح الهدى وبوصلة تقدم الدولة والارتقاء بها في جميع المجالات؛ لذلك كان الدعم المادي والمعنوي ولا يزال من قيادتنا الرشيدة للتعليم غير محدود. والتعليم كذلك هو الشغل الشاغل لكل مواطن في هذا البلد الطيّب، لاسيما التربويين منهم المباشرين لساحة الميدان التربوي، وبالذات التعليم العام. ومما لاشك فيه أنَّ مخرجاتِ التعليم العام في الآونة الأخيرة قضّتْ مَضْجِعَ كلِّ مُخْلصٍ غيور على هذه البلاد؛ فطالبُ التعليم العام عندما يغادر إلى التعليم العالي بعد اثني عشر عاماً من الدراسة ولديه نقص شديد في مهاراتٍ أساسية: كالاستماع، والتحدث، والقراء، والكتابة،والمهارة الحسابية التي يتم اكتسابُها بدرجةٍ كبيرةٍ في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية؛ فإنّ ذلك يُعدُّ مشكلة حقيقية؛تحتاج إلى إجراءٍ إصلاحيٍّ يؤتي أُكله في وقتٍ وجيز. ومما تجدر الإشارة إليه في جانب تدني مستوى مهارتي القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية؛ فإنّه يُدرك المُطلع المتخصص على المقررات الدراسية الحالية؛ أنَّ مقرر مادة لغتي الجميلة في الصفوف الأولية مثلاً؛ تم تنظيمه على ما يُفْترض أن يكون عليه الواقع المدرسي؛ وتفسير ذلك أنّ محتوى الصفوف الأولية تم تنظيمه بما يناسب لغة المواقف المتّسِمة بالصوتية التي هي أصل طبيعة اللغة المنطوقة ولا يخلو هذا المحتوى أيضاً من بعض نظام الكتابة؛ يزداد تدريجياً بانتقال التلميذ من صفٍ إلى آخر. لذا فإنّ محتوى هذا المقرر يُعدُّ ميدان اكتسابٍ وتدريبٍ جيّد في مهارات اللغة والسلوك؛ شريطةَ أنْ يقوم عليه معلمٌ متمكنٌ من الطبيعة النفسية والتربوية للتلميذ في هذه المرحلة؛ لاسيما إذا توافرتْ للتلميذ بيئة مدرسية مناسبة؛ وهو ما سيحقق لنا إن شاء الله طالباً مميزاً في قراءة التعرّف ولديه الحد الأدنى من مهارات الفهم على الأقل، إلى جانب تمكنه من كتابة الكلمات المباشرة غير المهموزة، وهي مهاراتٌ ينشغلُ معلمُ اللغةِ العربيةِ في الصفوف العليا بإصلاحها، بالرغم من أنها ليست من مهامه الرئيسة، بل إنَّهُ يمكن القول إنها تعيق دوره في تمكين الطالب من استراتيجيات وفنون قرائية وكتابية يرتكز عليها محتوى مقرر لغتي الجميلة في الصفوف العليا؛ تقوم على السياقية داخل كل وحدة، وتختصر جهد الطالب ووقته بما تحققه له من فهمٍ قرائيٍّ للنّصِ المقروء، ودُرْبَةٍ جيّدةٍ على بعض القواعد الإملائية المهمة التي يعتمد إتقان رسمها على المهارة في التقاط صوت الحركة الإعرابية، والمشكلة نفسها تقع في مادة الرياضيات عندما يقف معلُمها حائراً أمام طالبٍ نُقِلَ إلى الصفوف العليا وهو لا يمتلك الحد الأدنى في مهارات( الجمع، والطرح، والضرب) التي تُعدُّ الوقود الحقيقي لأي نشاطٍ حسابي، كالقسمة مثلاً ؛ فينشغل المعلم بمحاولة إصلاحها؛ كي يستطيع التقدم في المقرر، وهو أمرٌ أشكُ في حصوله بالمستوى المأمول. وفي ظل حالة التعليم هذه؛ وخاصة ما تعيشه المرحلة الابتدائية من تدنٍ في مستوى المهارات الأساسية التي من أبرزها القراءة والكتابة؛ إذ بات مستوى التلاميذ فيهما مؤشرٌ على عدم تعافي التعليم في بلادنا... وحيال ما تم عرضه سابقاً عن واقع التعليم العام؛ فإنني أقدمُ مقترحاً تصحيحياً قد لا يتفق معي فيه بعض المهتمين بالشأن التربوي ولكنه من وجهة نظري أصبح بحكم الضرورة كخطوةٍ من خطواتِ إصلاحِ التعليم في المملكة العربية السعودية، ويتمثل هذا المقترح في استقلالية الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية في قسم مستقل من المبنى المدرسي بمواصفاتٍ خاصة تناسب سن هؤلاء التلاميذ؛لأن تعليم هؤلاء التلاميذ يعتمد بدرجة أساسية على الجانب الحسي المادي المرتبط باللعب؛ مما يستدعي أن تكون بيئة هذا القسم غنيّة بالألعابِ التعليمية والترفيهية المناسبة التي تُسْهم في النمو الشامل للطفل،ويكون هذا القسم تحت مسؤولية مساعد مدير المدرسة للصفوف الأولية، كما أن عملية اختيار المساعد ومعلمي الصفوف الأولية يكون بناءً على تزكية وترشيح مدير المدرسة والمشرف التربوي وجهاتٍ أخرى؛ تأخذ في الاعتبار سن المعلم وسلوكه ومدى تمكنه من مهارات تدريسيةٍ معينة؛ في مقدمتها القدرة على تطبيق التقويم المستمر بمهنيةٍ عالية، مع ضرورة منح هذا المعلم مكافأةً ماليةً مُجزية في ضوء نظامٍ تعليميٍّ تعاقديٍّ محوره الرئيس الإتقان؛ يحدد مدى استمرار المعلم في تدريس الصفوف الأولية من عدمه، ويحكمه مستوى الإنتاج في المهارات الأساسية، والتي من أهمها القراءة والكتابة؛بحيث يتم تقييم مستوى التلميذ من قبل لجنة تربوية مختصّة؛ يتم تشكيلها من خارج المدرسة،ومتفرّغة لمتابعة مستوى المهارات في المدارس والحكم عليه،والمصادقة على نقل التلميذ إلى الصفوف العليا من عدمه، كما أن تطبيق هذا المقترح بالشكل المطلوب سيحقق بإذن الله نقلة نوعية في مستوى المهارات المكتسبة؛ إلى جانب تحقيق عدة أمور،من أهمها: معلم متمكن وثقة، وطفل يتعلّم في بيئةٍ تعليميّةٍ صحيّةٍ آمنة. د. علي بن عوض محمد الغامدي – تعليم القنفذة