إن الله تعالى خلق هذه الدنيا الواسعة , كي تكون مزرعة للآخرة , و خلق كل شيء فيها بقدر, و هيأها لبني آدم للتنافس في الخيرات , و حثهم على المسابقة إلى عمل الطاعات أولا , قال جل و علا : ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) 110, البقرة , ثم التنافس على حطام الدنيا الفاني ,قال جل جلاله : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ) 20, الحديد , و إن كل إنسان على قدر اجتهاده بالطاعات ينال الأجر و الثواب , و على قدر جهده يحقق الأموال , و إن هذا الحديث الشريف يعطينا فوائد عظيمة , و آدابا سامية , و هو أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم, قال : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة... ) رواه مسلم , و في رواية ( ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم ) ، و أهل الدثور هم : أهل الأموال , و هذا الحديث يبين فضل الصدقة , و أن مفهومها واسع , و أنواعها كثيرة , و لا تقتصر على صدقة المال, بل يقدر عليها جميع فئات المسلمين كالصدقة بالمال أو التهليل و التسبيح و التحميد و التكبير باللسان , و هي الباقيات الصالحات ,قال تعالى : ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا( 46, الكهف , أو الأمر بالمعروف , و النهي عن المنكر , أو الكلمة الطيبة, أو الكف عن الشر, و إماطة الأذى , و يحقق التكافل الاجتماعي و الاقتصادي و النفسي , حيث يساعد الأغنياء الفقراء و المحتاجين بالمال و البذل و السخاء , و لا يكون المال محصورا بين الأغنياء, و يهذب النفوس ,و يطهر القلوب من الغل و الحسد و غيرها , و يرشدها إلى أن الصدقة تكون بكل عمل خالص لوجه الله , و ليست قاصرة على المال.