كم هو جميل أن يحتفل العالم بأكمله سنوياً وبالتحديد في العاشر من أكتوبر باليوم العالمي للصحة النفسية مشيدين بعبارات ولافتات إحياءاً لهذا اليوم , لكن الأجمل هو أن يقنن هذا الاحتفال بصحة مشهودة نراها نابعة على أوجه أبناء مجتمعاتنا , وخصوصاً بعد أن صرحت وزارة الصحة في هذا اليوم من العام الحالي مشيرة إلى تزايد عدد الفتيات المدمنات إلى 20% , صراحة هذه النسبة لفتت نظري وتبادر لمخيلتي سؤال مهم ألا وهو : هل ماقدمته الصحة النفسية قلل من أمراض أبناء مجتمعها النفسية ؟ للأسف , نجد في المقابل ما سمعناه مؤخراً من جرائم بشعة يحزن لها القلب وتدمع لها العين وتقشعر لها الأبدان , ( مغتصب الفتيات القاصرات – زوجة الأب التي قتلت ابن زوجها – العنف الأسري – والفتاة الثلاثينية التي حملت من والدها - والآن ازدياد نسبة المدمنات من الفتيات ) كل هذه الأمور تجعلنا نفكر ونبحث عن أسبابها قبل النظر في حلولها , فمن وجهة نظري أرى أن المشكلة الكامنة تتمحور في شخصية من قام بمثل هذه الأفعال الشنيعة ومن على شاكلتهم هو من المؤكد إصابتهم بالمرض النفسي الذي تمكن وسيطر على أفكارهم وعقولهم الواعية واللاواعية وتفاقم بداخلهم وجعلهم يقومون بما قاموا به من قتل واغتصاب . والعياذ بالله أنا لا أتكلم عن شخصية معينة بالتحديد لكني أنظر للمشكلة بصفة عامة , فلو تمعنا النظر وبحثنا عن مسببات أي مرض نفسي تمركز في داخل أي شخصية سوية فإنه سيزين لها الجريمة أو المعصية وبالتالي ستتحول شخصية هذا الفرد السوي إلى شخصية غير سوية , مما يجعلهم يقدمون على السلوك الذي لا تقبله النفس البشرية سواء من باب الانتقام أو غير ذلك , من وجهة نظري أجد أن هناك عدة أسباب أساسية يجب أخذها بعين الإعتبار وتسليط الضوء عليها قبل أن ننظر إلى الأسباب الفرعية والتي ينظر إليها الجميع للأسف بأنها العنف والتفكك الأسري وما إلى ذلك , وأولها : 1- نقص الوعي للتثقيف النفسي : نجد وللأسف الكثير والكثير من الأفراد يجهل أعراض المرض النفسي ومسبباته أيّاً كانت ظاهرة أم مخفية سواء من قبل الصغير أو الكبير فهم لا ينظرون إلى أعراضه أنها مرض نفسي , ولكن كل مايرونه هو أن هذا الشخص مصاب بالعين أو الحسد كما أنه يتبادر إلى ذهنهم مباشرة ضرورة اللجوء إلى المشعوذين . حتى لو اضطر الأمر لصرف آلاف الريالات . إلى أن تتفاقم الحالة من بدائية إلى مرض مزمن يطول وقت علاجه . قس إلى ذلك الأفعال الصادرة من المريض خلال فترة مرضه . 2- الخوف من نظرة المجتمع : حتى وإن كان المريض يعلم أن مرضه يحتاج لطبيب نفساني نجدهم يتجنبونه خوفاً من نظرة المجتمع السلبية لهم بأن يتهموهم بالجنون . 3- البعد عن الله : سبب مهم لوقوع المرء في فخ الشيطان مما يجعله ولي أمره ويقوده إلى الحرام ويزين له المعصية من ذنب إلى ذنب إلى أن يصل الجاني إلى مرحلة لا يفرق فيها بين الحلال والحرام . 4- الأسرة والمدرسة : متى ما كان هناك توعية عن أهمية الثقافة النفسية من الطرفين نتج عن ذلك نضج فكري للأبناء , وطالما أنني وطنت هذا النضج تجاه هذه الثقافة النفسية بالتالي سينشأ جيل واعي فكرياً سيكون في يوم من الأيام أب وأم لجيل آخر وبذلك سيكون هناك وعي كامل لكل الأمور التي تحيط به وبالتالي يصبح الأبناء تفكيرهم يصل لمرحلة النضوج التام مثل أي شخص يبلغ من العمر الأربعين عاماً وهم مازالوا صغاراً , فأيهما أفضل أن يكبر طفلي على إدراك لحالته النفسية إن كانت مريضة فيتداركها بالتوجيه والعلاج النفسي إن استدعى لذلك , أم أتركه يعيش حياته يتخبط يمنه ويسره ويواجهه ما يواجهه من صدمات نفسية تترك في داخله عقد يصبح بعدها أسيراً للمرض النفسي ؟ 5- انتشار الأمراض العضوية : أصبحنا في زمن تكاثرت فيه مشاكل الحياة اليومية التي يواجهها الفرد نتج عنها كثرت الأمراض العضوية والتي أصبحت مفتاح لبداية الكثير من الأمراض والاضطرابات النفسية , للصغار والكبار أقرب مثال لذلك ( مرض السكري ) .إذاً لماذا لا نضع أنظمة وقوانين تغير من مفهومنا ونظرتنا للطب النفسي : لابد من وضع اختبارات نفسية للطلاب والموظفين , فكما هو موجود هناك اختبار قدرات للقبول في الجامعات لابد أن يكون هناك اختبار أيضاً نفسي لتكن هذه الجهة على دراية تامة بنفسيته . لابد أن نستهدف أكبر جهة تعليمية مهمة في المجتمع ألا وهي المدارس والجامعات بتخصيص أخصائيين نفسيين في كل مدرسة وكل جامعه وكل منشأة ليتعود الأفراد على فكرة أهمية وجود طبيب نفسي في حياتنا وكذلك على فكرة أهمية الذهاب للطبيب النفسي عند اللزوم . تدريس مادة علم النفس من الصفوف المتوسطة على الأقل ولا نجعل تدريسها محصور للصف الثاني الثانوي وبالتحديد للقسم الأدبي فقط . وأخص هذه المرحلة بالذات لأن الطالب والطالبة يمرون فيها بمرحلة مراهقة فهم بذلك بأمس الحاجة لها . فكما هو مطلوب إجراء تحاليل دم للفحص ماقبل الزواج , لابد أيضاً من إضافة شرط مهم جداً ألا وهو إجراء فحص على الحالة النفسية للزوج والزوجة ماقبل الزوج . القصد مما سبق قوله أن يغير المجتمع النظرة السلبية للمرض النفسي وبالتالي يعلم الجميع أن المرض النفسي مثله مثل أي مرض عضوي , فكما يحتاج المريض زيارة عيادة الباطنية والجلدية وغيرها من العيادات , فهو يحتاج أيضاً زيارة عيادة النفسية في حال شعر بسلوك غير اعتيادي . فلا يوجد هناك أي عيب أو فضيحة في حالة البوح بالمرض والتوجه للعيادة النفسية . وطالما أننا وضعنا الأساس السليم سنجني بالتالي الثمار السليمة , فلا أنتظر أن يقع الفاس في الراس ومن ثم أبدأ اهتم وأنظر في مسببات المشكلة وخلق الحلول لها , لكن الصحيح هو أن ابدأ وأطبق هذه القواعد والأنظمة للحد من وقوع المشكلة , وحتى لا نقول عندها " ياريت اللي جرى ما كان " رانية العمودي