لا مرية أن الأحداث الخطيرة التي تمر بها الشقيقة مصر اليوم نذير خطر على الأمة العربية بأكملها ، و يمكن أن يكون ذلك رسالة جديدة يؤكدها الغرب لنا اليوم و على رأسه الشيطان الأكبر الولاياتالمتحدةالأمريكية يقول لنا من خلالها : أستطيع أن أقومها و أقعدها فوق رؤوسكم متى أشاء ..!؟ و صحيح أن الأحداث الجارية هي نتيجة السياسة الخاطئة للقيادة المصرية الحالية داخلياً و خارجياً و عربياً و إقليمياً ، و نتيجة ممارسات استبدادية زاولها القائد الأعلى للبلاد هو وحزبه الحاكم فترة طويلة الأمد ، و نتيجة العسف السياسي الذي عانت منه القوى السياسية المعارضة داخل مصر طوال هذه الفترة ، و بكوني إنسان عربي تربى في بلد عربي يحمل الهم العربي على عاتقه و رضع لبان الشعور القومي في رحابه و ما يزال لا أستطيع أن أكتم شعوري تجاه ما يجري في البلد الشقيق مصر و خاصة أن مصر و شعبها لها مكانة خاصة في قلوب السوريين لما يجمع بين تطلعات و آمال الشعبين من عواطف و مشاعر جياشة منذ غابر الأزمان ، و لهذا كان تأثري عظيماً للأحداث الأخيرة الجارية عقب ثورة حركة الشباب المصري و الأحزاب المعارضة هناك . و بادئ ذي بدءأقول بصراحة أنني كنت و لا أزال من أشد المنتقدين و المعارضين للسياسات الخاطئة و المجحفة بحق الشعب الفلسطيني للرئيس المصري حسني مبارك ، و في الحرب الأخيرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على إخوتنا في غزة ، تناولت في بعض مقالاتي أحداث هذه الحرب و شجبت بكل مقت و غضب موقف القيادة المصرية من هذه الحرب في وقتها و انتقدت بشدة الحصار الذي فرضته القيادة المصرية على إخوتنا في غزة ، ... و لا أغالي أو أخفي سراً على أحد أنني قد بشرت بثورة عارمة آنذاك تدك أركان عرش النظام المصري الحالي وتزيله عن الوجود في قصيدتي التي كتبتها مستلهماً نضال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر و كانت بعنوان ( صلوات الكبرياء لصانع المجد ) و إليكم نص هذه القصيدة : صلواتُ الكِبرياءِ لِصانِعِ المَجدِ كُنْتَ طائراً يُغَرِّدُ في أقاصي السَّماءِ يَبني للعُروبَةِ عِزّاً فوقَ السَّحابِْ وجعلتَ بينَ النُّجومِ لِلوَطَنِ ألفَ عُنوانٍ وعُنوانٍْ ..! يومَ أَعلنَتَ أَنَّ للعُروبَةِ كبرياءٌ ْ وقُلتَ ِللأَحرارِ لا تَدْعوا معَ الوَطَنِ أَحداً لنا هُنا الأَرضُ و لنا اللهُ في السَّماءِ ْ * * * مَشروعُكَ القَوميُّ كانَ نَبْعاً ِللمَحبَّة في قُلوبِ العِبادِْ و نَهضَةً لِلخَيرِ في عُيونِ البِلادِْ و صَدَى صَوتِكَ الشَّجيِّ كانَ رَهبَةً لِلعَدوِّ في اللَّيلِ و النَّهارِْ و نَديُّ بَهاءِ طَلعَتِكَ كانَ هيبَةً لِلعُروبَةِ في رُبوعِ الأَرضِ و في مَجالِ السَّماءِْ و يومَ رَحلتَ عَنَّا تَضوَّعَتْ بِنا في الرِّحابِ أَحوالٌ و أَقدارٌ ْ فَلَكَ مِنَّا مِنْ نَسيمِ الحُبِّ يا نبيَّ المَجدِ فَوقَ شُموخِ التَّاريخِ ألفَ تَحيَّةٍ و سَلامٍ ْ * * * يا ناسِكَ الوحدةِ العَربيَّةِ يا سيِّدَ الحَربِ و السَّلامِ ْ يا مُفَجِّرَ الحِسِّ القوميِّ في قُلوبِ الرِّجالِ و النِّساءِْ و في المَعامِلِ و في الحُقولِ و في غَيثِ السَّماءِ ْ هَذهِ " مِصرُ " اليومَ عادَتْ سَماؤُها يباباً وغَادَرَها الغَيمُ والسُّخامُ ْ فَجَفَتْ فيها مِنَ التَّاريخِ سُطورٌ و صَفَحاتٌ ْ و تَحَكَّمَ فيها أَقزامٌ و أَنْذالٌ ْ يَعطونَ لِلعَدوِّ مِنَ العُروبَةِ كُلَّ دنيَّةٍ ومُهانٍ ْ و عُيونُ الزَّمانِ الثَّكلَى يا سَيِّدَ العَطاءِ ْ تُخاطبُ وحيَكَ "جَمالُ عَبدِ النَّاصِرِ" أَشرِقْ مِنْ عَليائِكَ ثَورَةً عَربيَّةً أَو دُمْ في سُكونِكَ رَمْزاً يَستَّمِدُ مِنْهُ أَحرارُ العُروبَةِ الكرامَةَ و البُطولةَ و الفِداءَ ْ و لَكَ مِنَّا يا صانِعَ المَجدِ صَلواتَ الكبرياءِْ في مَحارِ الشَّمسِ و فَوقَ العبابِ ْ و إِنْ كانَ حُبُّكَ كُفراً أو تَأَليّاً عَلَى اللهِ فَليَشهَدِ الثَّقلانِ أَنّي كافِرٌ بِدينِ السَّماءِ ْ * * * آما الآن .. فقد وجدت نفسي أقف معتصماً و متظاهرا مع الشباب المصري المطالب برحيل الرئيس حسني مبارك وسط ساحة التحرير في قلب القاهرة المحروسة ، كان شعوري و عواطفي الجياشة تسبح و تسرح هناك كلما جلست أمام شاشة التلفاز أستطلع عبر القنوات الفضائية النقل المباشر لأحداث هذه الثورة عبر الصوت و الصورة ..! و قد أعجبني و أجج من شعوري القومي ذلك التلاحم و التعاضد بين صفوف الشعب المصري و هم يطالبون الرئيس المصري بالرحيل و التنحي عن السلطة ... و لكن الذي هالني و أزعجني كثيراً ذلك الانقسام و الشرخ الذي كشر عن أنيابه كالوحش بين صفوف الشعب المصري و قسمه إلى فريقين متعاركين و متقاتلين في الشارع المصري ما بين مؤيد و معارض للرئيس المصري ... و قد زاد من أسفي و تحسري على ما أشاهده أن ذلك حدث عقب إعلان الرئيس المصري أنه اتخذ بعض القرارات التي تتفق مع مطالب الثورة و تطلعاتها و على رأس هذه القرارات عزمه على عدم ترشحه لفترة رئاسة جديدة ، و أنه سيتنحى عن الحكم و سيرحل عن السلطة بعد أشهرٍ قليلة ريثما تنتهي فترة ولايته الدستورية كرئيس منتخب ، و شخصياً ، و استناداً إلى معايري الثقافية و المهنية و الصحفية وجدت أن قرار الرئيس المصري يمثل حلاًّ منطقياً و استراتيجياً للأزمة و للأحداث التي ستؤدي بالشعب المصري بأكمله إلى نفق مظلم لا يعلم ما يكون وراء آكامه من ويلات و منغصات إلا علام الغيوب ..! و مع ذلك استمرت الثورة و استمر ت معها وتيرة الخراب و الدمار التي تعصف بمصر الحضارة و العروبة و التاريخ بالتأجج و الاحتقان ، و ازدادت معها التصريحات الأجنبية التي تنم عن حقد دفين و شماتة غادرة للدول الاستعمارية الكبرى تهديداً و وعيداً .. و باتت الولاياتالمتحدةالأمريكية و كأنها الراعي الشرعي للثورة عبر التصريحات التي يدليها مسئوليها ، أو عبر التعليمات التي تصدرها إدارتها المركزية إلى رموز الثورة و على رأسهم ربيبها المدلل فخامة الأب الروحي للعدوان الأمريكي على العراق سيد البلطاجية الدولية ( البراد عي بيك ) .. و الذي يقود بعض أفراد الثورة السذج إلى الهاوية و إلى إيقاع الشعب المصري في أتون منحدر سحيق كما هو حاصل في العراق اليوم تماماً ..! و عدت بعد هذا الشعور و التققيم الذاتي للأحداث أردد في نفسي مهلاً ... و رويداً رويداً يا شعب مصر ..! و لا تدعوا التدخلات الأجنبية و حقن المغرضين لكم الذين لا يريدون لشعوبنا العربية الأمن و لاستقرار تحتل نفوسكم وعواطفكم و مشاعركم ... قبل أن تنادوا ولات حين مناص ...! و قبل أن تنادوا مصبحين أن اغدوا على ثورتكم إن كنتم ثائرين . بل.... ادخلوا مصر ... آمنين .. آمنين ... آمنين ...! و في الختام السلام على من اتبع الهدى و العاقبة للمتقين ..!؟ التوقيع : مواطن عربي . بقلم : عبدالرزاق كيلو سوريا اللاذقية