منذ زمن ليس بالبعيد ، كان والدي يستطيع أن يشرح لكم البرنامج اليومي _ الذي هو من إعدادي وتنفيذي وإخراجي كذلك _ كما هو دون زيادة أو نقصان ، لأنني وإخوتي نعيش تحت المجهر ، وأمام أعين والدينا خلال الأربع والعشرين ساعة ، ويضمنا مكان واحد ، عامر بكل الثقافات التي في نظري تبقى ضرورية للسير بنا إلى حياة هادئة مطمئنة يحكمها إيمانيات وعادات وتقاليد المجتمع الذي نعيش فيه .. إلا أننا وللأسف نعيش هذه الأيام عصر الأفق المفتوح والعولمة والفضاء الملغم ( فضائيات – بلوتوث – بلاك بيري _ هواتف محمولة – انترنيت – الكترونيات – وعلوم أخرى ... ) عصر انتهاك الخصوصية ، عصر التلقين ، حتى أصبح الأب مع ابنه والأخ مع أخيه ، والزوج مع زوجه .. في منزل واحد تحت سقف واحد بل وحجرة واحدة ولا يعلم احدهما ما يعمله الآخر ، وإنك لتعجب من ذلك .. نعم هناك جراثيم عديدة وفيروسات وديدان تخترق جدران المنازل للوصول إلى العقول وخرق الأفكار والعيش الدائم بين زهور التفكير ، أصبحت عقولنا بكل أسف توجه عبر الريموت كنترول والتحكم به عن بعد ، هكذا أصبحنا بكل أسى . محاولة تسلل ناجحة وبكل المقاييس ، واختراق وضرب المجتمع في صميم عقولهم وأفكارهم ومبادئهم وهدم كل الثقافات والعقائد وإضعاف الهوية الإسلامية وحتى الوطنية والسعي الدائم لتأسيس ثقافة أخرى غربية كانت أم شرقية حسب ما يمليه علينا حامل الريموت كنترول ، حتى أصبحنا لقمة سائغة لكل مارق ، وأصبحت أبوابنا على مصراعيها يدخل منازلنا كل من هب ودب دون حسيب أو رقيب ، حتى وصلت بهم الجرأة الوقحة إلى اختراق هواتفنا باتصالات من خارج البلاد لإيهامنا بالعلاج ضد السحر والعين و..و .. الخ الذي لا أساس لوجوده .. إلا لأجل اللعب والاستخفاف بعقل الفرد والحصول على مبالغ مادية من اجل ادعاء العلاج .. والتهديد بشياطينهم .. وغيره الكثير والكثير من التدخلات في خصوصية الفرد .. أين من يخبرنا متى سنرى حقوق الإنسان مستوفاة في أصقاع المعمورة ؟ هنا يبرز عمل حقوق الإنسان ، ليس ما يطلقونه من شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع .. ثم لماذا لا نضع لهم ما يجعل عملهم هباءً منثورًا ويقوي جانبنا . ألسنا بحاجة ماسة إلى الرقابة الذاتية أولا ثم مراقبة من ولانا الله تعالى أمرهم بالطرق التي تكفل لنا الوصول إلى أهداف نحن بالأصل كنا نتوق ونتمنى الوصول إليها .. وأين دور المؤسسات الاجتماعية من نشر الوعي وبث الثقافة ، أقصد كل الثقافات بصفة عامة وثقافة حسن استخدام التكنولوجيا بصفة خاصة . أنا لست مع المنع ولكني لست مع التسريح بلا قيود ولا روابط .. فلا يحسُن بنا أن نمنح الأحداث كل هذه التقنيات ونترك لهم الحبل على الغارب ، أبدا هذا ليس من التربية في شيء .. إلى متى سنبقى عبيدا للثقافات ..؟؟ - متى نستطيع أن نحمي أنفسنا وأبناء مجتمعنا من هذه الفيروسات والديدان والجراثيم الالكترونية الإيديولوجية ؟ كيف نستطيع أن نقلب السحر على الساحر ، لإغلاق هذا الباب الموبوء وبناء إنسان ناضج وواعي وفي النهاية يتمتع بكل حرياته ؟ وعلى من تقع المسؤولية للحفاظ على خصوصياتنا داخل منازلنا وأيضا خصوصية هواتفنا ضد المرتزقة ؟ متى نرى المجتمع يسير في جميع أحواله وفق خطط مدروسة بعمق ؟ لو تم في عصر الثمانينيات وضع الخطط الكاملة والتخطيط لاستقبال وحسن استخدام هذه التقنيات هل سيكون الحال كما هو الآن ..؟ يجب أن نغرس القيم ونعزز الثوابت في نفوس من هم تحت مسؤوليتنا وذلك وفق أساليب تربوية مرنه .. مقرونة بأسلوب المكاشفة والمصارحة والمصداقية .. ولا تنسوا أن المجتمع أيضا به عناصر هدم فمهما عملت الأسرة وثابرت تجد بالمقابل من يعمل جاهدا على هدم كل اللبنات التي أسستها أخيراً : البراءة دائما ما تظهر في العموميات وتختبئ كل الشياطين في الجزئيات والتفاصيل ... كمن يدس السم في العسل . ألقاكم على أحسن حال .. وعين الله ترعاكم طلال الثبيتي