كثر الحديث هذه الأيام عن الاختلاط ما بين مؤيد ومعارض خصوصاً بعد أن حاول أحدهم مؤخراً "شرعنته" وأدلى بأدلة طار بها الركبان .. ومن جملة هذه الأدلة قصة "أم حرام" وأن النبي يقيل عندها ويدخل عليها ويستدلون بها على "شرعية الاختلاط" .. • ظاهر القصة أنها دليل على الاختلاط وظاهر النص أن الضمائر تعود على المرأة وليس على زوجها أو أختها "أم سليم" أو ابن أختها "أنس" ، وبمفهوم المخالفة – على رأي الأصوليين- يتبين التالي: هم يقولون إنه يجوز الاختلاط وفق هذا الحديث وبالله عليكم كيف يخلو الرسول بالمرأة وهو الذي نهى عن الخلوة؟؟ وإن قالوا أن أم سليم – أختها - معها فكيف يستقيم دخوله مع نهيه في قوله "إياكم والدخول على النساء ..." ، ووفق نص الحديث أن المرأة كانت تلامس النبي "بفلي رأسه" أليس فيه معارضة لحديث عائشة حيث قالت: " و لا و الله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك ". أخرجه البخاري. وقد أحتج به الألباني وذكر أن في هذا الحديث رد على من يدعي أن النبي يصافح النساء. بصراحة هذه الأسئلة وكذا استدلالهم يظهر لي أن في ذلك اتهام مبطن في حق النبي وفيه مخالفة صريحة وتهمة في حق سيد الخلق • أدرك ابتداء أنه ما من مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يتعمد الإساءة بشكل مباشر إلى النبي الكريم ولكن الحماس الزائد للانتصار لقول ما أو الإصرار على نقد مسألة معينة بضاعة الشخص فيها "مزجاة" هو الذي يوقع الإنسان في الخطأ والزلل أو ويكثر من حوله الجدل.. ودليلهم هذا الذي اتخذوه مطية في شرعنة الاختلاط يلبس على الناس.. حتى أني حينما حاورت أحدهم وقلت له إن المرأة من محارم الرسول استمات الرجل في الدفاع عن أنها ليست من محارمه!!! يعني أن المعنى الحقيقي للحديث وكون الرسول يدخل على المرأة ويقيل عندها وتفلي شعر رأسه هو المتبادر إلى أذهان الناس ..! ومن هنا وجب علينا الدفاع عن النبي ، وفي ذات الوقت يكون فيه رد على "المخلطين" الذي اختلطت عقولهم وأفكارهم قبل أن يؤيدوا "الاختلاط" !! وقفات مع الحديث عن أنس أن رسول الله كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ ... صحيح الترغيب والترهيب "صححه الألباني". يقول صاحب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: وأم حرام هذه خالة أنس بن مالك أخت أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك وقد ذكرناهما ونسبناهما وذكرنا أشياء من أخبارهما في كتابنا كتاب الصحابة فأغنى عن ذكره ها هنا وأظنها أرضعت رسول الله أو أم سليم أرضعت الرسول فحصلت أم حرام خالة له من الرضاعة فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها وكذلك كان ينام عند أم سليم وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول الله لمحرم فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحديث والله أعلم. وقال النووي: اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له ، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة. وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبدالمطلب كانت أمه من بني النجار .. انظر : عون المعبود و تنوير الحوالك والديباج على صحيح مسلم بن الحجاج وهناك رواية أخرى ذكرها ابن حجر في الفتح حيث قال: والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية...أ.ه وقال المباركفورى في تحفة الأحوذي : كلاما جيدا وقد جمع كل الروايات المتقدمة حيث قال: تنبيه: قد أشكل على جماعة نومه عند أم حرام وتفليتها رأسه، فقال النووي: اتفق العلماء على أنها كانت محرماً له ، واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار انتهى. قلت: في ادعائه الإنفاق نظر ظاهر، على أن في كونها محرماً له تأملاً، فقد بالغ الدمياطي في الرد على من ادعى المحرمية فقال: ذهل كل من زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعته معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار البتة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه خؤولة لا تثبت بها محرمية لأنها خؤولة مجازية، وهي كقوله لسعد بن أبي وقاص: هذا خالي لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمة آمنة، وليس سعد أخاً لاَمنة لا من النسب ولا من الرضاعة انتهى. وذكر ابن العربي عن بعض العلماء أن هذا من خصائصه لأنه كان معصوماً يملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه وهو المبرأ عن كل فعل قبيح. أخيراً.. هذه المعلومات قرأتها وجمعتها على عجل وهي تبين لكل ذي بصيرة وعقل أنه لا وجه للاستدلال بها على الاختلاط على الروايتين. فعلى القول إنها من محارمه فلا وجه لاستشهادهم ، وعلى رواية أن ذلك من خصائصه فلا مكان لاستشهادهم في "شرعنة" الاختلاط ، وإن قلنا إنها ليست من محارمه وليس هذا الفعل من خصائص النبي الكريم فإنه يكون اتهاماً في حقه بالخلوة أو بالنظر إلى الأجنبيات أو بملامسة امرأة لا تحل لها .. وحاشاه من كل هذه التهم وتبقى القضية قضية "اختلاط" في أفكار هؤلاء وعقولهم وهي دعوة إلى "خلط" الأفكار وليس خلط "الأبدان" !!وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولكم تحياااااتي. للتواصل [email protected]