تمر يوم الأحد المقبل الذكرى العاشرة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) على الولاياتالمتحدة، ما حدث كان عملا شنيعا ندينه بأقسى العبارات، ندينه لأنه كان عملا لا يقبله شرع ولا دين ولا ضمير، ندينه لأنه قتل آلاف الأنفس البريئة، وقتل النفس البريئة من كبائر الفواحش. وستقف أمريكا ورئيسها ووزراؤها ومسؤولوها والملايين من مواطنيها أربع دقائق صمت تستذكر الدقائق التي اخترقت فيها طائرتان للركاب برجي مركز التجارة العالمية، وستتم قراءة أسماء نحو ثلاثة آلاف ضحية في حضور كثير من الأقارب والأحبة. وستكون هناك أنشطة كثيرة في مدن أمريكية عدة، منها إقامة المعارض والصلوات والسلاسل البشرية والحفلات الموسيقية وافتتاح المشاريع وغرس الأشجار وإقامة الحفلات الموسيقية إلى آخره من المناسبات. كُتب الكثير عن أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، لكن دعني أقول إن معظم ما قرأناه حتى الآن يأخذ الحدث من جانب واحد ولا يمتحنه ضمن منهج نقدي نزيه يمنحه ما عليه وما له. وقد يقول قائل كيف نمتحن حدثا ببشاعة 11 أيلول (سبتمبر) من وجهة نظر نقدية توجه فيه اللوم، لا بل الكثير منه، صوب المسؤولين والنظم التي قامت بالرد عليه؟ الرد على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) أنتج من الشرور ما فاق مئات، لا بل آلاف المرات ما اقترفه منفذو الهجوم. والشرور هذه لم تكتف بقتل مئات الآلاف من الأنفس البريئة وتحطيم شعوب ودول بأكملها، بل خلقت وغرست مفاهيم شرانية جديدة دخلت خطابنا الإنساني من أوسع أبوابه وصارت الإنسانية بأجمعها ضحية لها. ولنقرأ معا أعزائي القراء باختصار شديد ما وقع على الإنسانية من شرور اقترفتها الأنظمة والمؤسسات التي أرادت أن ترد الصاع لمنفذي 11 أيلول (سبتمبر). قد يكون ما أكتبه مختلفا عما قرأتموه، لكنني كاتب لا أخشى النظم والمؤسسات ولا أخشى على لقمة العيش إن كتبت ما يغيظها وما يظهرها على حقيقتها. أولا، لا نستطيع أن نضع الأشرار الذين اقترفوا 11 أيلول (سبتمبر) في خانة الأنظمة والدول، فالشر الذي أتى منهم لم يكن مؤسساتيا رغم بشاعته، لأنها مجموعة مارقة خارجة عن التمدن وكذلك عن الصراط المستقيم الذي يلتزم به أغلبية المسلمين. الطرف الذي اقترف الشرور في الرد على هذه المجموعة نظام مؤسساتي له قوانين وضعية ويقوده أشخاص تم انتخابهم بصورة ديمقراطية ولهم مجالس منتخبة ومحاكم عليا ومؤسسات دستورية ودينية ودنيوية بإمكانها محاسبتهم. ثانيا، الشر أو الظلم ليس شيئا مجردا لا يمكننا اختباره أو الإحساس به، الشر من صنع الإنسان، الإنسان يصنع الشر كما يصنع الماكينة والسيارة والهاتف النقال، ومقترف الشر لا يحس عادة بالألم والمصيبة التي يعانيها الشخص أو المجموعة التي يقترف شروره ضدها. ثالثا، الذي يقع الشر على يديه لا يلوم نفسه وله سلسلة من الأسباب يذكرها كي يبرر أفعاله الشريرة، اللوم كل اللوم يضعه على الضحية، الضحية هي السبب في إطلاق العنان لشروره، والضحية هي السبب لكل ما يقع عليها من شرور. رابعا، يستخدم الأشرار الإعلام لمصلحتهم ويستخدمون كل ما لديهم من إمكانات لتوجيهه لتبرير شرورهم. وهذا ما حدث بعد 11 أيلول (سبتمبر)، حيث تمت السيطرة على معظم وسائل الإعلام، ولا سيما التلفزة في الشرق الأوسط، حيث يستقي أغلبية الناس معلوماتهم عما يدور حولهم وحول العالم من التلفزيون. خامسا، دخل المال في معركة الإعلام واليوم يبث كثير من القنوات العربية إعلانات تظهر أن الشر كل الشر قادم من مجموعات مسلمة تستخدم العنف وسيلة لتحقيق مآربها وكأن الطرف الآخر طرف مسالم لا يستخدم العنف والسلاح والقتل والحرب والتدمير. سادسا، لا يكترث الأشرار لضحاياهم أبدا لأنهم يعتقدون، لا بل يؤمنون بأن ما يقومون به هو عين العقل والصواب. سابعا، الأشرار يستخدمون القرب والبعد للإيقاع بضحيتهم البريئة، فالقتل بالحراب وتفجير الذاتي يعد شرا قريبا والقتل بالنيابة والقتل التكنولوجي - طائرات مسيرة، طائرات تحلق على ارتفاعات شاهقة، والصواريخ واستقدام المرتزقة - صار يُنظر إليه وكأنه أمر حميد ممكن التغاضي عنه، أما القتل القريب - وهو الوسيلة الوحيدة المتوافرة أمام هذه المجموعات - لا يمكن استساغته ولا يجوز أن تتحمل فيه الضحية المسؤولية واللوم. هذه بعض المعايير التي تعلمناها بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، فللنظر معا إلى الأحداث التي تلته، قتل الأشرار مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء ودمروا شعبا بأكمله وشردوا الملايين منه وما من مكترث، تفتك الطائرات المسيرة والصواريخ بالعرب والمسلمين في العراق واليمن وفلسطين وأفغانستان وبلغ ضحاياها من الأبرياء في ستة أشهر في أفغانستان فقط أكثر من 3500 شخص وما من مكترث، يقوم الأشرار بغزو بلد دون سبب وقتل أبنائه وتدميره وما من مكترث، يبطش الأشرار بالشعب الفلسطيني من خلال احتلال مضى عليه أكثر من ستة عقود جرى فيه طمس هوية شعب بأكمله وتشريده وما من مكترث. وهناك الكثير الكثير مما يمكن أن يقال، لكن أترك ذلك للقارئ اللبيب. من له الشجاعة أن يتلو أسماء كل القتلى الأبرياء وليس فقط قتلى 11 أيلول (سبتمبر) في ذكراه العاشرة ويحاسب القتلة والمجرمين كما تمت محاسبة القتلة والمجرمين الذين نفذوا هجمات 11 أيلول (سبتمبر)؟ وإلى اللقاء