لا بد أن تشعر بدهشة كبيرة عندما تقرأ لمسؤول قوله بأن التقصير موجود في إدارته، وأن مستوى الخدمة فيها دون المطلوب وأقل مما يطمح إليه.. وبالضرورة أن تفرك عينيك جيدا لتتأكد أنه حقا يقول إن إدارته تواجه صعوبات كبيرة، وهناك مخاطبات واجتماعات متوالية وتواصل مع الوزارة لتجاوزها.. وتبلغ المفاجأة ذروتها عندما يقول هذا المسؤول إنه يرحب بتواجد أكبر للصحافة للوقوف على القصور وإيضاح السلبيات من أجل التعاون على تفاديها.. هذه لغة غير مألوفة، بل نادرة في خطاب المسؤولين وتصريحاتهم، لأن اللغة المألوفة السائدة لدينا هي لغة التجميل والدفاع المستميت عن الأخطاء والتقصير، لغة إنكار الواقع واستبداله بواقع زائف لا يوجد سوى في خيال المسؤول. عندما يسأل المسؤول عن خدمات جهازه يبادر بشكل آلي إلى ترديد اسطوانته المعتادة بأن مستواها من أفضل ما يمكن، وأن جودتها لا تضاهى، وأن خيرها يعم الجميع.. وعند السؤال عن وجود صعوبات تواجهه فإن الإجابة الجاهزة تنفيها لأن «جهود جميع العاملين متكاتفة ومتظافرة بدعم مقام الوزارة وحكومتنا الرشيدة لتقديم أفضل خدمة للمواطن». وعندما تنشر الصحافة خبرا مؤكدا عن إحدى السلبيات يبادر إلى الاستعانة بالاسطوانة العتيقة المشروخة التي تتهم الصحافة بالمبالغة وعدم تحري الدقة والمصداقية. أما عندما تطلب الصحافة مقابلته كي تنقل للمجتمع حقيقة ما يحدث في «عزبته» فإنه يصاب بالهلع وكأنه سيواجه عدوا لئيما يتربص به، إلا إذا كان الصحفي الزائر من النوع الذي يمكن تجهيزه وتطويعه مسبقا ليمارس مهمة التلميع والتزييف المدفوع الثمن بأي شكل.. أمثال هؤلاء المسؤولين يمارسون تزييفا مزدوجا لأنهم يستخفون بعقول الناس، إضافة إلى كذبهم على وزاراتهم بنقل تقارير في غاية المثالية تؤكد على أن «كله تمام»، فيحجبون الحقيقة عنها ولا يجعلونها تساعدهم في معالجة أوضاعهم السيئة لأنهم يعتقدون أن هذه أفضل وسيلة لكسب الرضا وضمان البقاء في الكرسي.. طيب يا إخواننا، إذا كانت كل الجهود متضافرة والحكومة تدعمكم فلماذا خدمتكم سيئة لا تتحسن؟؟.. أنتم تعرفون جيدا السبب الحقيقي.. إنه الكذب والتضليل والتزييف والضمير الميت.. إنها الخيانة بكل تجلياتها.. لذلك تكون فرحتنا كبيرة عندما نسمع مسؤولا يخرج عن نهجكم ويتحدث بلغة تختلف عن لغتكم المؤذية، كالمسؤول الذي قرأت تصريحه يوم أمس في إحدى صحفنا..