دعا إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرّمة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، في خطبه الجمعة، اليوم، إلى الالتزام بطاعة الله ورسوله، ثم طاعة أولي الأمر في صالح الأمور، في الغيبة والحضور، مطالباً بعدم الإنصات للأبواق الناعقة وأصحاب الأفكار الهدامة النافقة الذين يسعون في الأرض فساداً". وأوصى في بداية خطبته بتقوى الله - عزّ وجلّ - في السر والعلن واتباع أوامره واجتناب نواهيه ابتغاءً لمرضاته. وقال: معاشر المسلمين في عقابيل الأيام والشهور والأزمان والدهور تلتمس الحوض راحتها لتستعيد نشاطها وجدتها وأن لله في أيام الدهر نفحات تتنزل فيها الرحمات والبركات، ومنذ أيام قليلة كنا نستطلع هلال شهر رمضان ونستشرف محياه والآن وبعد ساعات وربما سويعات نودعه وعند الله نحتسبه ونستودعه وقد فاز به مَن فاز من أهل الصلاح وخاب وخسر فيه أهل الغفلة والجناح. وأضاف: إخوة الإيمان ما أسرع مرور الليالي والأيام وكر الشهور والأعوام فها هو شهر الصيام قد تصرمت أيامه وأزف رحيله ولم يبق إلا قليله، وتلك سنة الله في كونه ولن تجد لسنة الله تبديلاً، لقد مر كلمحة برق أو غمضة عين، شرح القلوب ببركاته ورحماته ووجلت فيه القلوب الخواشع ورفعت فيه الأكفّ الضارعة، وقد أنست القلوب خلال هذه الليالي المباركة بجنب الرحيم الغفار ولهجت الألسن بالدعاء والحمد والاستغفار، ويا من استجبت لربك في شهر الصيام استجب له في سائر الأيام، فربّ رمضان هو رب شوال وهو رب أشهر العام. وأوضح السديس أننا ونحن نودع شهر رمضان لا تزال مآسي أمتنا تذرف وجراحاتها تنزف وتتقطع منهم الأشلاء في صلف ورعونة في الأقصى وفلسطين وفي سوريا الشام الحزين أما علمتم حال إخوانكم في بورما وأراكان فقد عمل الطغاة الظالمون بالمسلمين هناك قتلاً وتشريدً فقتلوا الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء ويتموا الأبناء وانتهكوا أعراض النساء وسط صمت عالمي وتجاهل دولي. وبيّن أنه في هذه الآونة العصيبة ومن هذه البقاع الطاهرة وعلى ثرى مكة العامرة وفي ليلة من ليالي العشر الزاهرة أثلجت صدور المؤمنين وقرت أعين الغيورين بمؤتمر استثنائي تاريخي هو مؤتمر التضامن الإسلامي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين وأدام توفيقه عملاً بقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وقوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وقد تألق بحمد الله مؤتمر قادة الأمة وتأنق بموضوعاته الجسيمة وتوصياته العظيمة فلّله دَرُّهم وقد أشرق جمعهم وتلألأت بالمحبة صفوفهم في هذه الرحاب المباركة والأيام العابقة وفي ليلة غراء من هذا الشهر المبارك اعتصموا بحبل الله أجمعين واتحدوا على الخير فحازوا شرف الزمان والمكان وطاعة الواحد الديان وكانوا قدوة لشعوبهم في الوحدة والائتلاف والاعتصام ونبذ الاختلاف. وأكد أن المؤتمر جاء في أوانه وما بدر عنه من توصيات جاءت لتبدد غياهب الغمة التي أضلت الأمة وتعود الأمة الإسلامية إلى سابق مجدها ورفعتها وتسترد سابق عزها ومكانتها فسدّد الله خطاهم وباركهم ورعاهم ووفقهم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وجزى الله خادم الحرمين الشريفين، على جهوده المباركة بجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ونصرة قضاياهم وليهنأ - وفقه الله - ولتهنأ الأمة جميعاً بهذا الإنجاز والنجاح والامتياز. ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين إلى الالتزام بطاعة الله ورسوله، ثم طاعة أولي الأمر في صالح الأمور، في الغيبة والحضور، وشدّوا من أزرهم وعزّزوا أمرهم ولا تنصتوا للأبواق الناعقة وأصحاب الأفكار الهدامة النافقة الذين يسعون في الأرض فساداً، مبيناً أنه يجب علينا أن نستمسك الكتاب والسنة وأن نتأسّى بسلفنا الصالح قادة الحق وسادة الخلق الذين أسّسوا المجد الراسخ وأتوا على الباطل فهدموا أركانه وكيانه في توحيد خالص ومعتقد سليم ومنهج وخلق قويم ووحدة متكاملة ووسطية شاملة وحوار هادف بناء وبعداً عن الفتن الطائفية ومسالك الغلو والجفاء. واختتم خطبته بالقول: إن الله - سبحانه وتعالى - شرع لأمته في ختام هذا الشهر المبارك أعمالاً عظيمة تسد الخلل وتجبر التقصير فندبكم إلى الاستغفار والشكر والتكبير، كما شرع لكم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وهي صاع من طعام من قوت البلد والأفضل أن يخرجها قبل صلاة العيد ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، مشيراً إلى أن من نعم الله الكثيرة ما نعم به الصائمون والمعتمرون من أجواء إيمانية آمنة ومنظومة خدمات متوافرة وأعمال مذكورة وجهود مشكورة لم تكن لتحصل لولا توفيق الله - جلّ جلاله - ثم ما منّ به – سبحانه - على الحرمين الشريفين وروادهما من الولاية المسلمة المخلصة التي بذلت وتبذل كل ما من شأنه تسهيل أمور العمار والزوّار جعله الله خالصاً لوجهه الكريم وزادها خيراً وهدى وتوفيقاً لمنّه وكرمه.