قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: "إن سنة الله جرت أن من انتقم ممن هو دونه انتقم منه من هو فوقه، وسنة الله لا تحابي أحداً، ولأجل هذا، عباد الله، فإن لذة العفو أطيب من لذة التشفي، وذلك أن لذة التشفي يلحقها ذم الندم، ولذة العفو يلحقها حمد العاقبة، وهذا دليل على أن الانتقام يقبح على الكرام، ومن طبعه الانتقام فهو كالغيم الذي لا يرجى صحوه، يغضب من الجرم الخفي ولا يرضيه العذر الجلي، حتى إنه ليبصر الذنب ولو كان كسم الخياط، ويعمى عن الحسنات ولو كانت كجبال تهامة، له أذنان يسمع بإحداهما البهتان، ويصم بالأخرى عن الاعتذار، وله يدان يبسط إحداهما للانتقام، ويقبض الأخرى عن الحلم والصفح". وتساءل إمام وخطيب المسجد الحرام: "هل يعي هذا أولئك الجبارون المنتقمون المسرفون الذين يسومون أقوامهم سوء العذاب، فيذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وييتمون أطفالهم؟! أولئك الذين باعوا الضمير ونحروا الرحمة وأخذتهم العزة بالإثم فعلوا في الأرض وجعلوا أهلها شيعاً، وقالوا مقولة فرعون الأول: سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون، غير أن المؤمنين الصابرين يرددون قول الله تعالى "أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهدي الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام".
وقال الدكتور الشريم: "اعلموا أن لله الأسماء الحسنى التي هي غاية في الحسن والجمال، ومنها الصفات العلى التي تليق بجلاله وعظيم سلطانه، فمن صفاته سبحانه وتعالى الانتقام الذي يقصم به ظهور الجبابرة، بعد الإعذار والإنذار، فقد قرن انتقامه بعزته، والانتقام في شريعتنا الغراء مذموم في الجملة، غير أن ثمة انتقاماً محموداً شرعه الله لنا لإيجاد مبدأ التوازن بين المصالح والمفاسد، وعدم الإخلال بها عن منازلها التي أنيطت بها لتحقيق مصالح العباد ودرء مفاسدهم، وهذا الانتقام المحمود إنما يكون لمن انتهك محارم الله، وذلك بالحدود والتعزيرات والعقوبات المشروعة، فنهانا سبحانه عن الرحمة في حدوده وإقامة شرعته وفق ما أراده لنا سبحانه وتعالى، فالانتقام لغير محارم الله معرة، كما أن الحلم والبرود أمام محارم الله خيانة عظمى.