أثار المقترح الذي تقدّم به عضو مجلس الشورى نائب رئيس اللجنة المالية د. سعد مارق، لتوظيف أكثر من 20 ألف شاب سعودي في مشاريع الإسكان، الجدل بين الاقتصاديين، وتباينت آراؤهم بين مَن يراه مقترحاً على درجة عالية من الأهمية في معالجة مشكلة البطالة، وآخرون يرونه جيداً، لكنه ضمن الحلول الوقتية ولا يدخل في سياسات الدولة التنموية العامة. "سبق" اهتمت بهذا الموضوع وتناولته من خلال الآراء التالية: يقول أستاذ الاقتصاد أ.د. علي الخليفة ل "سبق": "احتواء الشباب السعودي في مشاريع التنمية مطلبٌ اقتصادي واجتماعي وأمني مهم، وحسب الإحصاءات الحديثة فهناك أكثر من 8 ملايين سعودي سيدخلون إلى سوق العمل خلال السنوات القادمة.. وهو ما يعني زيادة البطالة، وبالتالي فمثل هذه المشاريع ستمتص بطالة الشباب وتدفعهم إلى سوق العمل وتعزز من خبراتهم المهنية، وأطالب بمزيد من مثل هذه التوجهات الاقتصادية المهمة". من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي د. عبد الوهاب أبو داهش ل "سبق": "اقتراحٌ وجيه، لكن الصورة لم تتضح حتى الآن بخصوص مقترح د. سعد مارق، ولا نعرف إستراتيجية وزارة الإسكان في تنفيذ مشاريعها. فهل ستكون من خلال مقاولين خاضعين لسياسة التوظيف في وزارة العمل كبرنامجي حافز ونطاقات؟ أم ستمارس الوزارة سياسة التمكين بنفسها لحل مشكلة الإسكان والبطالة معاً؟". ويقول د. أبو داهش:"الخلل أن معالجة البطالة تقع ضمن صلاحيات وزارة العمل وليست وزارة الإسكان، التي يجب أن تطرح أفكارها فقط في آليات تنفيذ المشاريع ضمن سياسات تنافسية عالية جداً". ويشير د. أبو داهش إلى أن هناك الكثير من أعضاء مجلس الشورى، وبعض الشخصيات في المجتمع يتقدمون ببعض المقترحات المستعجلة لتوظيف الشباب من باب الوجاهة والظهور الإعلامي دون التخطيط المسبق، ودون أن يكون هذا التحرُّك ضمن سياسات عامة للدولة تعالج مشكلة البطالة، والاحتكار وارتفاع الأسعار، وتكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، ومدروسة ومستندة إلى مبررات منطقية وواقعية. أما الاقتصادي د. فهد بن جمعة، فقال ل "سبق": "هذا مقترح جيد، لكنه يعد حلاً مؤقتاً لتوظيف الشباب السعودي". ويضيف نحن نحتاج إلى حلول جذرية تمكّن الشباب السعودي من العمل، فتخيل أن حافز تقدم له مليونا طالب عمل، في حين أن هناك 300 ألف شاب يدخل سوق العمل سنوياً، وإن كان توظيف 20 أو 40 ألف شاب في مشاريع الإسكان بحسبما يقترح د. سعد مارق، فإن هذا لا يكفي لأن سوق العمل السعودي يحتاج إلى سياسات وإستراتيجيات طويلة المدى؛ لخلق وظائف للسعوديين من خلال توسيع الاستثمارات الحكومية". ويشير د. ابن جمعة إلى أننا نحتاج إلى توظيف دائم للشباب وليست وظائف "ترقيعية" لا تعالج البطالة، فالحل ليس جزئياً، بل مستدام، على سبيل المثال، في قطاعات حكومية غير مستغلة كوزارة الداخلية، والبلديات والمشاريع الكبيرة ذات العوائد المجزية للدولة". لكن ماذا يقول الشباب السعودي حول هذا المقترح.. يعتقد طلال البراك، فني تبريد سعودي، أنه اقتراحٌ جيد، ويشكر د. سعد مارق عليه. ويطالب بإلزام كل الشركات بتوظيف أبناء الوطن في مثل هذه المشاريع؛ لأنها فرصة في كسب الخبرة ووجود عمل براتب جيد. أما سعود الخيبري، فني سباكة وتمديدات صحية، فيرى أنها مقترحات لن توافق عليها الشركات المنفذة لأنها تريد عمالاً أجانب، رواتبهم رخيصة تستطيع التحكم فيهم وتكسب من ورائهم الملايين. ويقول سلطان المطيري، قسم نجارة "عاطل": "الشركات الكبيرة معروفة، ستحتكر المشاريع لأن لديها سيولة كبيرة، وتستطيع توظيف سعوديين برواتب زهيدة لن تتجاوز 3000 ريال، أما الشاب فلن يستطيع مستقبلاً عمل أي مشروع صغير للحصول على دخل إضافي لأنه مرتبط بالشركة. ويقول محمد القرني، كهربائي:"هذه فرصة ثمينة نبحث عنها، ونريد العمل في مثل هذه المشاريع الكبيرة، فأنا أقوم حالياً بجميع أعمال الكهرباء في بعض المباني، لكنها غير مربحة فالنظرة قاصرة للمواطن السعودي". من جانبه، يقول الدكتور سعد مارق ل "سبق": "مع احترامي لما تم طرحه من آراء إلا أن ما اقترحته يتمحور حول توظيف الشباب السعودي المؤهل في الحرف الفنية والمهنية في مشاريع الإسكان الكبيرة التي ستقوم بها وزارة الإسكان على مدى سنوات طويلة قادمة، فهناك 500 ألف وحدة سكنية ستنشأ مستقبلاً، خُصص لها 250 مليار ريال. ويؤكد د. مارق أن هذا المشروع هو أضخم مشروع في تاريخ المملكة، ولو استطعنا تدريب الشباب السعودي فيه، وتوظيفهم فستكون بمنزلة ورشة عمل كبيرة يحصلون فيها على خبرة وظيفية عالية تغطي احتياجات سوق العمل. ويطالب د. مارق وزارة الإسكان المشرفة على هذا المشروع، بأن يكون لشباب المملكة جزءٌ كبيرٌ فيه، فإذا كان متوسط راتب الشاب السعودي 4000 ريال فإن تكلفة 20 ألف متدرب سعودي لن تتجاوز 1% من قيمة المشروع - على حد وصفه -. ويقول د. مارق: "لا يعنيني كلام المنظرين الاقتصاديين، فإن كان لدينا مثل هذا المشروع الضخم الذي سيستمر تنفيذه لسنوات طويلة في مختلف مناطق المملكة، فلا بُدَّ أن نوظف شبابنا فيه لكي يفيدوا ويستفيدوا". ويتذكر د. مارق تجربة مماثلة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير مكة المكرّمة عند بدء مشروعات معالجة مشكلات السيول في جدة، حينها اشترط الأمير خالد الفيصل ألا يوقع عقداً مع أي شركة تقدمت لتنفيذ المشروع حتى تلتزم بتوظيف نسبة كبيرة من الشباب السعودي في مختلف الوظائف الفنية، وبرواتب مناسبة ومجزية، فكان للأمير خالد ما أراد. ويوضح د. مارق لا بد لوزارة الإسكان من وضع معايير واضحة في تنفيذ مشاريعها عبر إلزام الشركات المنفذة بتوظيف السعوديين وفق معايير واضحة وسلم رواتب مجزٍ، ولا مانع من مشاركتها مع صندوق تنمية الموارد البشرية بنسبة 50 % فتوظيف النجار، والسباك، والكهربائي، ومهندس التبريد السعودي في مشاريعنا الوطنية سيعود بالفائدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية على الوطن.