أزد - فارس ناصر - مصادر في مجلس الشورى عزمها العودة إلى طرح توصية تدعو إلى درس فرض "ضريبة" سنوية على العمال الأجانب العاملين في القطاعين العام والخاص، والتي كان قد أسقطها المجلس في نيسان (أبريل) الماضي بعد أن عارض التوصية 70 عضواً، في مقابل تأييد 45 عضواً، داعياً الجهات المعنية الأخرى إلى تولي مهمة فتح نقاش عام حول هذا المقترح. إلى ذلك كشفت حول فرض ضريبة على دخل الأجانب عن انقسام حاد في وجهتي نظر أعضاء في اللجان المعنية في مجلس الشورى، وبعض القانونيين من جهة، ووجهة نظر بعض رجال الأعمال من جهة أخرى، حيث أكد أعضاء في الشورى أن فرصة إعادة طرح المقترح الذي أسقط من جدول أعمال مجلس الشورى في نيسان (أبريل) الماضي، لاتزال قائمة، مؤكدين أن العوائد الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي ستجنيها المملكة في حال العمل بهذا المقترح ستكون عالية ومفيدة، فيما يرى الطرف الآخر أن الأضرار التي ستطول الشركات وتكلفة جلب العمالة الماهرة وسوق التوظيف، بل حتى أسعار السلع والخدمات ستكون باهظة. وقال ل"الاقتصادية" الدكتور سعد مارق رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى والمهندس محمد القويحص عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة في المجلس، "رغم أن لوائح المجلس تمنع طرح أية توصية سبق طرحها على المجلس ورفضت إلا بعد عامين، إلا أن المادة 23 من نظام المجلس تمنح أعضاءه إمكانية تعديل بعض القوانين والأنظمة القائمة ومنها الضريبي المعمول به في المملكة الآن". في مايلي مزيد من التفاصيل: تفتح ملف فرض ضريبة على دخل الأجانب في محاولة منها للوقوف على العائدات الاقتصادية والمالية التي يمكن أن تنعكس على الاقتصاد السعودي وسوق العمل، إلى جانب الأضرار المحتملة في حال إقرار مثل هذا النوع من الضرائب. في حلقة اليوم نتناول الأسباب التي دعت أعضاء في مجلس الشورى لإسقاط توصية نادت بدراسة هذا المقترح مطلع العام الجاري من قبل أعضاء في المجلس، إلى جانب آراء الغرف التجارية، وبعض رجال الأعمال، ورؤية القوانين، حيث تبين أن هناك انقساما حادا في وجهتي نظر المشرعين - إن صح التعبير - وبعض القانونيين، وهم أعضاء في اللجان المعنية في مجلس الشورى من جهة، ووجهة نظر بعض رجال الأعمال من جهة أخرى نعرضها كما هي على حلقات، على أن نتناول في حلقات لاحقة رأي منظمة العمل الدولية ووزارة العمل إلى جانب استعراض بعض التجارب الدولية في هذا الجانب.. وهنا محصلة الحلقة الأولى: في البداية أكدتمصادر في مجلس الشورى عزمها العودة لطرح توصية تدعو إلى درس فرض "ضريبة" سنوية على العمال الأجانب العاملين في القطاعين العام والخاص، والتي أسقطها المجلس في نيسان (أبريل) الماضي، بعد أن عارض التوصية 70 عضواً، مقابل تأييد 45 عضواً، داعيا الجهات المعنية الأخرى إلى تولي مهمة فتح نقاش عام حول هذا المقترح. وهنا قال ل"الاقتصادية" الدكتور سعد مارق رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى والمهندس محمد القويحص عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة في المجلس، أنه رغم أن لوائح المجلس تمنع طرح أية توصية سبق طرحها على المجلس ورفضت إلا بعد عامين، إلا أن المادة 23 من نظام المجلس تمنح أعضاءه إمكانية تعديل بعض القوانين والأنظمة القائمة ومنها الضريبي المعمول به في المملكة الآن. وأكد عضوا مجلس الشورى أن الفرصة ما زالت قائمة لطرح الموضوع للنقاش في المجلس حتى لو كان ذلك بعد عامين، أو من خلال نقاش مفتوح من قبل الجهات المعنية الأخرى كالغرف التجارية أو وزارتي العمل والتجارة، مؤكدين أن الوقت حان لمعالجة الخلل القائم في سوق العمل السعودي وفي هيكلية الدعم الحكومي. الدكتور سعد مارق أكد أن اللجنة المالية أيدت بقوة ضرورة مناقشة هذا المقترح، ولم نطلب فرضه، نريد أن نقف على العوائد الاقتصادية والاجتماعية العمالية التي يمكن أن تتحقق في حال فرضت ضريبة دخل على الأجانب، وأيضا أن نقف على المساوئ، لكن للأسف تم رفض حتى دراسة المقترح. وزاد: "الهدف الأساسي ليس العوائد المنتظر تحقيقها في مداخيل الدولة، بل أن تتساوى تكلفة الموظف السعودي مع الموظف الأجنبي، ما يرفع جاذبية توظيف السعوديين، كما أننا نريد أن نمارس حقنا الاقتصادي في معالجة بعض الأضرار الناجمة عن إعفاء الأجانب من معظم الضرائب المعمول بها عالميا، فهم يستفيدون من كل برامج الدعم التي تقدمها الدولة لمواطنيها كدعم الكهرباء والقمح والطرق وكل الخدمات المدعومة دون تمييز". وهنا يتفق المهندس محمد القويحص مع ما ذهب إليه الدكتور مارق، ويضيف: "نحو 40 في المائة من الدعم الحكومي المقدم للسلع التموينية أو الوقود أو الكهرباء يذهب إلى الأجانب المقيمين في المملكة، على اعتبار أن هناك نحو 10 ملايين مقيم في المملكة". ويرى القويحص أن تحجج البعض بأن ذلك قد يضعف جاذبية سوق العمل المحلية ونحن في مرحلة نمو وتنمية، غير موفق، مشيرا إلى أن 90 في المائة من العمالة في السعودية غير ماهرة وتعمل في قطاع التجزئة، ثم إنه يمكن إعفاء مهن وتخصصات معينة من تلك الضرائب وهذا أيضا معمول به دوليا. وقال عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة في مجلس الشورى إن مثل تلك الإيرادات قد توجه من جديد لتعزيز البنية التحتية للخدمات العامة والمرافق الحكومية، كم أنها قد توجه لبرامج توظيف السعوديين. الدكتور مارق يعود من جانبه ليعترض بشدة على موقف بعض رجال الأعمال الرافضين للقرار بحجة أنه قد يؤثر في سوق العمل وبالتالي في أسعار السلع والخدمات، مشيرا إلى أن اللجنة المالية في المجلس ضمنت التوصية بمحورين مهمين أولهما ألا يؤثر ذلك في المواطن العادي من خلال إعفاء العمالة المنزلية أولا وتدخل الجهات الحكومية لضبط الأسعار بقوة من جانب آخر. وتابع: "نرفض بشدة الآراء التي تتحدث عن أننا غير جاهزين لهذا النوع من الضرائب أو أن الأضرار كبيرة وقد تؤثر في الأسعار، هذا كلام غير منطقي كلما أردنا طرح قضية تحدثوا عن الأسعار. هذا دليل على أن التسعير في السوق المحلية فوضى وغير مراقب، كم أن الحديث عن عدم وجود نظام ضريبي في المملكة أيضا غير صحيح". في السياق ذاته يعتقد المهندس القويحص أنه إذا كان فرض الضريبة سيمنع العمالة الأجنبية من الدخول بالآلاف شهريا إلى السعودية فهذا ضرر مطلوب وجيد، وقال: "يمكن إعفاء المهندسين والأطباء أو أي فئات ترى الدولة الحاجة إليها، ولكن أن تكون الضريبة التي هي حق سيادي للمملكة، بل وسمة من سمات معظم اقتصادات العالم هناك ضريبة على المبيعات وضريبة على دخل الأفراد الأجانب، وضريبة على تملك العقار. هذا دون الحديث عن ضرائب الطرق وغيرها، ومع ذلك ما زالت مقصدا للعمال والمهاجرين". ودعا عضوا مجلس الشورى الجهات المختصة إلى إعادة النظر في مثل تلك المقترحات، وفتح نقاش عام حولها والاستفادة من نحو 250 مليار ريال يتم دفعها إلى خارج الدورة الاقتصادية للبلد وهي كما قالوا 100 مليار ريال تحويلات العمالة الأجنبية سنويا، ونحو 150 مليار ريال حجم اقتصاد التجزئة والمحال الصغيرة والمتوسطة، مؤكدين في الوقت ذاته أن الفرصة ما زالت قائمة من قبل مجلس الشورى لمناقشة مثل تلك المقترحات المهمة في أوقات لاحقة. الغرف التجارية ورجال الأعمال وقانونيون حذروا من جانبهم من أن ذلك قد ينعكس على نشاط الشركات ورجال الأعمال من جهتين الأولى إرباكه سوق العمل التي يعاني حاليا بعض الصعاب، خصوصا أن المملكة لديها مشاريع تنموية ضخمة، ورفع تكلفة أسعار بعض السلع والمنتجات المصنعة محليا من جهة أخرى. المهندس عبد الله بن سعيد المبطي رئيس مجلس إدارة غرفة أبها للتجارة والصناعة يؤكد في البداية أن فرض ضريبة على دخل الأجانب قد يؤدي إلى تحمل الجهات والمؤسسات الموجود بها العمالة الأجنبية قيمة تلك الضرائب المقترحة، وبالتالي ارتفاع التكلفة خصوصاً في الشركات المنتجة ما سينعكس في المحصلة على أسعار المنتج النهائي وهو المستهلك. ويرى المبطي أن من إيجابيات الضريبة في حال فرضت هو توفير موارد لصندوق الموارد البشرية لتغطية البطالة، مضيفا أن مثل تلك العوائد قد تسهم في التوسع في برامج التدريب المنتهي بالتوظيف إلى جانب توجه الجهات والمؤسسات لتوظيف السعوديين هربا من تحمل تلك الضرائب. غرفة مكة ماهر جمال عضو مجلس إدارة غرفة مكة والمتحدث الرسمي باسم المجلس يشدد من طرفه على أن فرض ضرائب على دخل الأجانب في السعودية لن يكون إيجابياً وربما يأخذ وقتاً طويلاً للتطبيق كون المملكة لا تمتلك نظاماً ضريبياً، وقال: "كوننا في الأصل لا يوجد لدينا نظام ضريبي لا أعتقد أن فرض الضرائب سيكون إيجابيا لأن ضبط هذا الموضوع سيستغرق وقتا طويلاً وربما يخلق نوعا من التغيير في الأرقام الحقيقية التي تعطى للأجانب". وأضاف: "لكن يمكن إيجاد بديل لهذا الأمر وهو إضافة إلى ما يتم إيداعه في صندوق تنمية الموارد البشرية من الرسوم على التأشيرات والإقامة التي تصدر سنوياً، هناك مقترح حالياً يتمثل في أن بعض القطاعات اليوم غير قادرة على الوصول إلى النسب المحددة من وزارة العمل للسعودة مثل شركات المقاولات والنظافة خصوصا في ظل الطفرة التي نعيشها مثل مشاريع القطارات والموانئ التي تقدر بمليارات الريالات، وقد تحتاج بعض المشاريع من 3-5 آلاف عامل على أقل تقدير، مثل مشاريع توسعة الحرمين والمشاعر المقدسة، لذلك المقترح أن يكون هناك مبلغ إضافي يفرض على الشركات يذهب لتوظيف الشباب السعودي مقابل إعفاء هذه الشركات من نسب السعودة غير الموجودة أصلا". وتابع: "لا يمكننا إيجاد سعودي يعمل بناء أو سباك أو ناقل على الشاحنات الثقيلة الخاصة بالبناء ولذلك لا نريد الوقوف في منطقة تعطل المشاريع". ولفت عضو مجلس إدارة غرفة مكةالمكرمة إلى أن تطبيق نظام الضرائب على دخل الأجانب لن يكون بالسهولة بمكان تطبيقه حالياً، مبيناً أنه حتى الدول التي لديها نظام ضريبي تحدث فيها تلاعبات كبيرة جدا في معظم دول العالم، وأردف: "سندخل إشكاليات تسجيل الرواتب وكم تدفع الشركة وكيف تحول إلى البنك أو تهرب الأموال. الموضوع كبير جدا ولا أعتقد أننا جاهزون له اليوم، لذلك دفع مبلغ جاهز على كل عامل لوزارة العمل أجدى وأفضل وهو دعم للسعودة سنويا، طالما لديك العمالة تدفع هذا المبلغ وإذا غادرت يتوقف الدفع". ونفى جمال أن يؤثر ذلك في عمليات توطين الوظائف، وفند ذلك بقوله: "وزارة العمل تتحدث عن 250 ألف شاب عاطل عن العمل لكن عندما تدرسهم تجدهم بين سكرتير وإداري وبالنظر إلى الجانبين التقني والفني مثل بعض القطاعات التي تحتاج بناءين وفنيين لا تجد سعوديين بمعنى أنني أعطل التنمية والمشاريع، مهما أجبرت المقاول فلن يجدي نفعا. كثير من المقاولين يذهبون إلى مكاتب العمل يطلبون مثلا 100 كهربائي لا تجد سوى 30 فهل من المعقول أن أوقف المشاريع لأنني لم أجد 70 كهربائيا سعوديا". ونبه ماهر جمال إلى أن مسألة فرض الضرائب على دخل الأجانب قد ينظر إليه كنوع من التمييز ضد العامل العادي، وقال: "العمالة العادية ليست مثل المستثمر الذي يدفع ضرائب سنوية على استثماراته". من ناحية قانونية، أكد الدكتور ماجد قاروب رئيس لجنة المحامين في غرفة جدة أن موضوع فرض ضرائب على دخل الأجانب في المملكة، أمر بسيط جداً مبيناً أن ذلك يتأتى من خلال قانون محلي يصدر بهذا الشأن، بشرط ألا يتعارض مع الاتفاقيات الثنائية الموقعة مع عدد كبير من دول العالم فيما يخص الازدواج الضريبي. وأضاف قاروب: "لكن في الحقيقة خشية من التعامل بالمثل أو التعرض لأزمة نقابية أرى أنه لا بد أن يكون هناك اعتبار للوضع الاقتصادي والمالي لمثل هذا القرار، لأن 95 في المائة من العمالة الأجنبية الموجودة في السعودية عمالة غير مدربة ورخيصة السعر وذات رواتب متدنية لن تتحقق معها أي مكاسب مادية جراء فرض ضرائب على دخولهم". وأفاد قاروب بأن اتفاقيات منع الازدواج الضريبي تشمل رواتب العاملين والموظفين، لافتاً إلى أن عدم وجود ضريبة دخل في السعودية تكاد تكون الميزة الوحيدة المهمة التي يمكن لها أن تغري بعض الخبرات أو معظم الخبرات الأجنبية في مجال الخدمات والاستشارات التي تأتي إلى المملكة لأنها تحقق عوائد مالية من وراء ذلك. وزاد: "إذا وضع هذا الشرط أعتقد أن السوق السعودية لن تكون جاذبة للخبرات الأجنبية وستفقد المملكة قدرتها للحصول على خبرات تدير العمل في قطاعاتها المهمة مثل البتروكيماويات والشركات الكبرى". فيما يبين الدكتور عمر الخولي المستشار القانوني في هيئة حقوق الإنسان أن مثل هذا المقترح يأتي لجلب إيرادات إضافية للخزانة العامة، مشيراً إلى أنه "لا بد أن تدرس انعكاسات مثل هذا القرار لأن الضرائب التي سيتحملها العامل على دخله تنعكس على صاحب المنشأة وبالتالي المستهلك النهائي هو الذي سيتولى دفع هذه الضرائب". واتفق الخولي مع قاروب بأنه لا يوجد ما يمنع صدور مثل هذا القرار وذلك من خلال صدور قانون من مجلس الوزراء ومرسوم ملكي يسن هذه القوانين. وعند سؤاله عما إذا كان صدور مثل هذا القرار يتعارض مع أنظمة دولية، أكد الدكتور عمر الخولي أن "هذه الأمور تخضع لقوانين محلية إلا ما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية ومسألة الإعفاء من الضرائب والمعاملة بالمثل". إلى ذلك، أوضح صالح التركي رئيس مجموعة نسمة القابضة ورئيس غرفة جدة السابق أن فرض ضريبة على دخل الأجانب ليست آلية مجدية ولن تضيف شيئاً، مشيراً إلى أن تطبيق قرار مثل هذا قد ينعكس على زيادة التكاليف على الشركات والذي سيتحمله في المستهلك النهائي في نهاية المطاف. وأضاف التركي علينا التنبه إلى أن اعتماد فرض ضريبة يحتاج إلى الكثير من التشريعات التي ستعطي دافع الضريبة (الأجنبي) حقوقا وامتيازات غير التي يتمتع بها الآن". وأكد صالح التركي أن هذه القضية نوقشت منذ سنوات من قبل الحكومة ولكن لم تطبق بعد عدم وجود منافع حقيقية في حال فرضها(نشر فى جريدة الاقتصادية ).