منذ أكثر من 37 عاماً، والأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، يذود عن أمن الوطن، من خلال تسلمه لزمام أمور واحدة من أهم وزارات الدولة، "وزارة الداخلية"، حيث تصدى خلال هذه السنوات لعدد من الأحداث الإرهابية والأزمات التي شهدتها المملكة وتجاوزتها، حتى أصبح تعامل الداخلية السعودية مع الإرهاب مضرباً للأمثال من قبل دول العالم؛ وهو ما حدا بقيادات، وساسة، وأمنيين غربيين إلى الدعوة مراراً إلى الاستفادة من تجربة الأمن السعودي بقيادة سمو الأمير نايف. وفي قراءة للسيرة الذاتية للأمير نايف، كتب الكاتب يحيى الأمير في مقالة نشرتها صحيفة الوطن قبل نحو عامين: "كان أن ودعت الرياض عام 2004 على وقع حادث إجرامي فاشل، حاول استهداف وزارة الداخلية السعودية، في مساء الثلاثين من شهر ديسمبر ذلك العام، ورغم أن الحادث كان مغامرة متهورة جداً من القاعدة، ورغم أنه كان يتم التخطيط لعملية مزدوجة في ذات التوقيت، إلا أن الحادث لم يسفر عن خسائر، بل كان الحادث في ذاته أقرب ما يكون إلى ضربة استباقية، ذلك أنه وقع بعد ساعات من مقتل أحد المطلوبين؛ وهو ما أربك تحركاتهم ودفعهم لتلك المغامرة. بعد تلك الحادثة بأسبوع واحد، وبينما كانت الرياض تحظى بحضور كثيف من مندوبي الصحف ووسائل الإعلام العالمية، كنت في لقاء مع بعض الصحفيين الأجانب، وكانت الحواجز الإسمنتية تغطي مدخل الفندق الذي اجتمعنا فيه، كان تعليق أحد الصحفيين بعد أن انتهى حوارنا هو: "إن ملامح الأمير نايف بن عبد العزيز وصوته وتعامله مع مختلف الأسئلة التي توجه إليه، وحتى نظراته كلها تشير إلى شخصية رجل أمن صارم وعنيد في مواجهة الإرهاب، وقوي لا يترك مجالاً لأنصاف الحلول أمام أي خطر قد يهدد الأمن الوطني السعودي". في الحقيقة أن هذه الرؤية حول شخصية سموه ليست بالجديدة علينا نحن السعوديين، بل هي التي تربينا عليها، حيث بات اسم نايف بن عبدالعزيز مرتبطاً في الثقافة السعودية بالأمن. ذلك أن الجانب الأمني والتاريخ الأمني الذي يمثله الأمير نايف في حياة السعوديين، هو العلامة الأولى على موقعه في الحياة السعودية، فمنذ عام 1395ه، والأمير نايف يشغل منصب وزير الداخلية، الوزارة التي واجهت وتواجه الملفات الأطول والأكثر تعقيداً في التجربة السعودية. ذلك التاريخ هو الذي فتح الباب لتشكيل العلاقة بين الأمير نايف، وبين المواطنين عبر صورة واحدة، وهي أنه رجل الأمن والمواجهة التي لا تعرف الحلول الوسط؛ وهو ما جعل لسموه صورة تتصف بالحزم والقدرة على المواجهة وإنهاء كل ما يمكن أن يشكل تهديداً للأمن الوطني. الأمن في أي كيان وطني، هو المسألة التي لا مجال فيها للحياد ولا لأنصاف الحلول، فلا توجد تفصيلات في الأمن ولا مستويات، فإما أن تكون آمناً أو لا تكون، وكل الذين أداروا ملفات ووزارات وأجهزة أمنية في كل العالم، كانت أبرز صفاتهم أنهم الأكثر سعياً للحزم والمواجهة والقبض على زمام الأمور. إحدى الأزمات المبكرة التي أدارها وواجهها سمو الأمير نايف كانت عملية محاولة اقتحام الحرم المكي الشريف، التي جاءت بعد خمس سنوات من توليه وزارة الداخلية، ويتذكر العالم وبشكل واضح كيف كان موقف سموه إشارة واضحة إلى أن الوزير السعودي يستطيع أن يوازن بين متطلبات الأمن ومتطلبات المواجهة، ويستطيع الفصل بين رؤية التدين الحقيقي والمعتدل وبين التدين المتطرف والمتشدد، وكانت الحالة التي انتهت فيها تلك المواجهة فاتحة لاستراتيجية جديدة في باب المواجهات الأمنية فكرياً وثقافياً، بالإضافة إلى مواجهتها عسكرياً. مثلت المواجهة الفكرية، وارتباطها بالمواجهة الأمنية واحدة من أبرز الحالات الإدارية لسمو الأمير نايف، بل باتت من أكثر النماذج العالمية والعربية شهرة في هذا المجال، وتم توسيع التجربة حين دخل السعوديون مرحلة جديدة من المواجهة مع الإرهاب والتطرف والتشدد خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعامين. وبالنظر إلى مختلف التصريحات التي أدلى بها سموه في تلك المواجهات، يتضح كيف كان يشير باستمرار إلى أن رجال الأمن والدولة قادرة وباستمرار على مواجهة الجماعات والعصابات المتطرفة، لكنه كان يؤكد كثيراً أن الحاجة ليست فقط إلى حل المواجهات العسكرية؛ لأن سموه كان يدرك أن القضية ليست أن تقتل إرهابياً بقدر ما أنها تكمن في أن تقتل الإرهاب، وحتى الذين يقدمون أنفسهم على أنهم علماء أو مشايخ وقد ثبت تورطهم في أي دعم فكري أو مادي أو معنوي لأي فعالية إرهابية هم أعداء للوطن، لا يقلون خطراً عن الذين يحزمون أنفسهم بالأحزمة الناسفة. الصور التي يتذكرها السعوديون لسموه وهو في مواقع الأحداث، وفي تفقد بعض الأماكن التي شهدت أعمالاً إجرامية إرهابية، كانت ثمة رسائل صامتة ومتبادلة بينه وبين الناس، فلقد كان وقوفه في أكثر من مشهد يبعث كثيراً على الارتياح والشعور بالأمن، وصمته ونظراته التي يتفقد بها المواقع تملأ الناس بطمأنينة، فيما يملؤهم كذلك انطباع واسع بأننا ندرك أنك لن تترك مجرماً ينجو من العقاب. وفي واحد من أبرز تصريحاته قال: "تم إفشال عدد من العمليات لو نجح منها 10% لكنا في كارثة؛ لأنها مخطط خطير". واستطرد وزير الداخلية قائلاً: "بالإضافة إلى القدرات الأمنية المتكاملة نحتاج للعلماء والمشايخ ولأهل الفكر والرأي للتحرك في مجابهة هذا الفكر، وأن تقوم وسائل الإعلام بدورها". ومثل هذا التصريح يقف وبكل وضوح على الجانبين الأبرز في عملية المواجهة، وهما الجانب الأمني والجانب الفكري، وكأنه يوزع المهام ويحمل كلاً مسؤوليته، فيشير إلى أن النجاح في الجانب الأمني ما زال بحاجة إلى جهود ونجاحات في الجانب الفكري يلقي فيه الدور الكبير على العلماء والمشايخ وأهل الفكر والرأي ووسائل الإعلام. وفي قراءة متأنية للمواقف الثقافية والفكرية نرى أن سموه استطاع أن يقف في منطقة الوسط باقتدار، في حالة لا يستوعبها إلا الذين ينطلقون من رؤية المشترك الديني والوطني الواعي، فلقد استلزمت المواجهة بين التطرف والاعتدال على الأرض مواجهة فكرية بين مختلف الأصوات في هذه الجهة أو تلك، وكان بعضهم يتجه كثيراً لأخذ جانب من تصريح لسموه ويقدمه للناس على أنه دعم لموقف أو لتيار معين. وإلى ذلك فإن سمو الأمير نايف وفي مختلف مواقفه ينطلق من الثقافة السعودية بقيمها التي يمثل التدين وتمثل مختلف الجوانب الاجتماعية محاور أساسية في بنائها وتشكيلها، وهو في كل ذلك ينطلق مما يمثل المصلحة الفعلية والعليا للوطن، ويتحيز الأمير نايف باستمرار لكل ما يحمي وطنه وأرضه وثقافته السعودية، ويسعى ليقف بحياد واعتدال بين مختلف الشرائح والتوجهات الفكرية، فإذا كانت مصلحة الوطن والمواطنين تستلزم أمراً فلا يمكن تركها أو تأجيلها، ومواقف سموه مما كان يحدث من استغلال سلبي لعمل الخير في السعودية، وتوجيه بعض أموال الصدقات لتمويل الإرهاب والتطرف ووقف كل نشاط يمكن أن يغذي تلك الجريمة، هو مصلحة للدين والوطن والمواطنين، وما حدث بعد ذلك من ضبط للعمل الخيري هو أكبر خدمة للعمل الخيري، وفي ذات الوقت أكبر خدمة للاستقرار والأمن السعودي. ولم يثنه حديث المرجفين الذين أخذوا ينعون العمل الخيري في السعودية، بل أوجد له أبواباً وضوابط جعلت منه عمل خير حقيقياً. الأمير نايف يتحيز لوطنه، ولأبناء وطنه، ويفصل بين أبناء وطنه الحقيقيين وبين أولئك الذين انقلبوا على الوطن وباتوا ضده وضد أبنائه.