ما زال اللسان المنفلت والعقلية العنصرية لزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، "مارين لوبان" يسبب حرجاً بالغاً للسياسة الفرنسية، ويدخلها في صراع مختلف مع مهاجريها في الداخل وحلفائها الأقوياء في الخارج وتحديداً في الشرق الأوسط. فالمتطرفة الفرنسية التي استعْدَت كل من حولها، فشلت، أمس، في الدور الثاني للانتخابات المحلية الفرنسية، ولم يفز حزبها المتطرف بأي منطقة، وشكّلت النتائج الأولية للدور الثاني نكسة كبرى لأبرز ثلاث شخصيات في حزب الجبهة الوطنية، رئيسته مارين لوبان الخاسرة في الشمال وابنة شقيقتها ماريون ماريشال- لوبان التي خسرت معركتها في الجنوب، وفلوريان فيليبو المخطط الاستراتيجي للحزب في الشرق.
تاريخ عنصري ولعل تاريخ "مارين لوبان" الحافل بالمغالطات وإثارة التعصب والعنصرية في وسط المجتمع الفرنسي، ومحاولة إيصاله لأوروبا، كان سبباً في تفضيل الفرنسيين للأحزاب الأخرى، رغم فرصتها التاريخية التي تمثلت في تفجيرات باريس، والتي كانت ستسبب دافعاً قوياً لهروب الناخبين إليها، كردة فعل على ما حدث، إلا أن النتائج كشفت عن قناعة الفرنسيين بأنها ليست حلاً، بل ستكون سبباً في عزل بلادهم عن الدول الأخرى وإثارة الفتن والعنصرية بشكل فاضح.
غضب الحلفاء ويسجّل الفرنسيون العديد من مواقفها العنصرية، ولعل آخرها أمام البرلمان الأوروبي، عندما تحدثت ببجاحة على أقرب حلفاء فرنسا ودعت لتغييرهم، وأن على بلادها الابتعاد عن السعودية وقطر وتركيا، والاقتراب من روسيا وإيران، رغم الصداقة طويلة الأمد بين الحلفاء، وما تسببه روسيا وإيران من إرهاب وأعمال دموية في عديد الأقطار والدول، وكان لذلك التصريح أثره السلبي في ظل حاجتهم للتماسك ومحاربة الإرهاب الممتد من فرنسا وحتى الشرق الأوسط.
غليان باريس "لوبان" التي باتت أشبه بالصداع المزمن في رأس السياسة الفرنسية قالت العام الماضي إنه "يجب الآن وضع حد لازدواجية الجنسية" و"وقف الهجرة"، واتهمت الجزائر بأنها البلد الوحيد الذي يصدّر العنف والشغب والاضطرابات بعد كل مباراة يلعبها الفريق. وجاءت تلك التصريحات عقب المباراة التي شهدت تأهل الجزائر إلى دور الثمن في بطولة كأس العالم لكرة القدم، وشهدت فرحاً جزائرياً طبيعياً في شوارع باريس، وهو ما حرّك دماء العنصرية في داخل عقلية "خليفة هتلر"، وأدى حينها لغليان في الشارع الفرنسي والذي يضم في جنباته ملايين المهاجرين والمجنسين من ذوي الأصول الجزائرية.
وسبق أن شبّهت مارين لوبان في عام 2010 صلاة العيد للمسلمين بالاحتلال، حيث قالت: "في حال رغبنا في الحديث عن الحرب العالمية الثانية واحتلال الدول، فإنه يجب أن نتحدث عن ذلك الاحتلال، وهو صلاة المسلمين في الشوارع؛ وهذا احتلال واضح، وهذا احتلال أجزاء من أراضٍ ومن أحياء يطبق فيها القانون الديني، وهذا احتلال، لا توجد دبابات ولا يوجد جنود، لكنه احتلال على أية حال".
وأدى ذلك التصريح إلى مقاضاتها في المحاكم الفرنسية من قبل العديد من المحامين المتطوعين من مختلف المشارب، رغبة في إيقاف ضجيجها المزعج لأبناء فرنسا من المهاجرين أو المقيمين.
شخصية غير مستقرة ومن مواقف "لوبان" وصْفها لاعبي منتخب فرنسا لكرة القدم، ذوي الأصول العربية مثل "بنزيمة" و"نصري" و"ريبيري" بالمنحرفين وعديمي التربية، وأنهم غير فرنسيين، وفقط ما يهمهم هو جمع الأموال، وهو ما أثار سخط الداخل الفرنسي الذي يشتهر بمتابعته الكثيفة لكرة القدم التي عدّ اللعبة الشعبية الأولى في البلاد، وسعت حينها وزارة الداخلية لتلطيف الأجواء واحتواء الغضب الشعبي من تلك التصريحات غير المسؤولة.
ولعل من تصريحاتها المثيرة للغضب تشبيهها الجزائريين بالجراثيم، وتوجيهها تساؤلاً لرئيس الجزائر "بوتفليقة" حين وصل باريس للعلاج: "اذهب وعالج نفسك في بلدك، لماذا تأتي عندنا؟ ألم نعطكم الاستقلال؟".
هذه التصريحات المنفلتة كشفت عن شخصية غير مستقرة وراغبة في معاداة كل من حولها، ولعل طردها العام الماضي لوالدها "مؤسس الحزب" بسبب تصريحاته الصحفية ضد فناني فرنسا تعطي مؤشرات عن عقليتها الغريبة التي لايمكن التنبؤ بأفعالها المريبة والتي ستأتي بالوبال على أوروبا لو وثق بها الفرنسيون يوماً من الأيام.