يقضي "مهندسات القط العسيري" ما يزيد على 7 ساعات يوميا وهنَّ ينقشن بأيديهن وينمقن التفاصيل الدقيقة لإهداء جدارية لمبنى الأممالمتحدة بمدينة نيويوركالأمريكية، تحت عنوان: "بيوت أمهاتنا"، وبطول 18 متراً؛ حيث من المتوقع تسليمها نهاية أكتوبر الجاري. 13 فنانة: ويبلغ عدد "مهندسات القط العسيري"، نحو 13 فنانة مختصة بكل معاني وموروثات هذا الفن، حملت كل منهن فرشاتها وجاءت لتخط بيدها فقرة في هذه اللوحة التي ضمت مكونات هذا النقش من: الختمة، والبترة، والحظية، والبلسنة، والعُمري، والسكروني، وارياش، وبنات، فكل لون من هذه الألوان يضم خاصية لونية وشكلية معينة، ولكل شكل دلالة بيئية أو شعورية.
حلم وفرصة: وتعتبر الفنانات هذه الجدارية الحلم والفرصة الجوهرية لإعادة فنهن الذي يعود إلى مئات السنين إلى الأذهان ولوصوله للعالمية والحفاظ عليه من الاندثار؛ حيث لن تقتصر مهمة الفنانات على الجدارية، بل ستقدم معرضاً فنياً بهدف إيضاح دور المرأة في تكوين وأرشفة التاريخ المحلي من منطقة عسير.
قصة التاريخ: يقول المشرف على المشروع المهتم بالتراث والأديب "علي مغاوي": "قصة القط قديمة وضاربة في التاريخ، ويعتبر مشروع "بيوت أمهاتنا" بمثابة الدفع باتجاه إعادة هذا الفن إلى الذاكرة".
وأضاف: "كنت أخطط مع زوجتي الفنانة "فاطمة الألمعي" لإقامة جمعية لحفظ التراث وتأصيله، لولا وجود بعض العقبات، ولكني لم أتوقف عن حب هذا الفن أو الترويج له؛ ولذلك وافقتُ على الإشراف على المشروع الذي كان من فكرة "الدكتور أحمد ماطر" وزوجته الفنانة أروى".
وأوضح "مغاوي" أنه بمجرد أن تشكلت الفكرة وبرزت إلى حيز الوجود؛ تم تشكيل فريق العمل المكون من 13 فنانة، إضافة إلى لوحة أخرى تقوم أسرة الفنان "الدكتور أحمد ماطر" ووالدته وأخواته وغيرهن من الفنانات بتنفيذها.
الخطة والتنفيذ: وبين أنه اعتمد في تنفيذ العمل على خطته البحثية التي عمل خلالها لتنفيذ كتاب مصور عن القط، وشملت كافة محافظات منطقة عسير من شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، اطلع خلالها على أشكال القط القديمة التي تعود إلى أكثر من 200 عام.
توثيق يومي: وقال: إنه وضع خطة عمل لشمول اللوحة القديمَ والجديدَ في هذا الفن بما يعبر عن ذائقة الإنسان العسيري في المنطقة، مبيناً أنه اطلع فريق العمل على النقوش، واستعان بعدد من الفنانين، منهم: "إبراهيم فايع"، و"أحمد نيازي" صاحب أكبر مكتبة من الصور الفوتوغرافية"، متابعاً: "يتم متابعة العمل وتوثيقه مع الفنانات بشكل يومي لإنجاز هذا العمل بنهاية أكتوبر الجاري".
وعن دور الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني؛ قال: "الهيئة أكدت على دعمها للمشروع من خلال برنامج الحرف الوطنية "بارع" بقيادة المشرف على البرنامج "الدكتور جاسر الحربش"، ومدير عام الهيئة بمنطقة عسير المهندس محمد العمرة".
جريمتان: وتطرق "مغاوي" إلى تعرض القط إلى جريمتين؛ أُوْلَاهما أن المعروض منه خلال السنوات الماضية كان يتم بأيدٍ من العمالة الوافدة التي أفقدت هذا الفن روحه؛ لجهلها بمفرداته وتاريخه؛ ولتعاملها المسيء لهذا الفن؛ والأخرى ناتجة عن هروب الناس من القديم وبحثهم عن الجديد، حتى اقتصر الإقبال على هذا الفن على الوفود الأجنبية التي تقتني من المتاحف بعضاً من القطع الفنية ويقدرونها، معتبراً أن تلك الجريمتين عطلتا تطوير هذا الفن.
أَشْهَرْنَ الفن: وتشير مدربة النقش "فاطمة الألمعي"، إلى أن منطقة عسير اشتهرت ببيوتها التراثية الجميلة وطرق تجميل المعمار الخارجي والداخلي وغرفها الملونة جدرانها وأركانها بأيدي نساء المنطقة، ما جذب اهتمام الزوار والسائح.
وشددت على أن قرية ألمع انفردت بكثير من الجمال الطبيعي والطراز المعماري والنقوش العسيرية، مبينة أن الفنانات يقمن بالاتفاق على خطة العمل لرسم خطوط ونقوش وتشكيلات جمالية.
الألمعيات والفطرة: وعادت بالذاكرة إلى الوراء، قائلة: "الألمعيات لم تتعلمن هذا الفن في مدارس فنية أو معاهد متخصصة، ولكنه وحي للواقع؛ فكل لون كان يمثل إحساساً معيناً، وكل شكل كان يرمز إلى شيء حلَّ بالنفس واستقر في الأعماق، وأنا تعلمت هذا الفن من الفنانة بالفطرة "فاطمة أبو قحاص"، وما شاهدت من نقش: "شريفة بنت أحمد، وفاطمة امزهرية، ومنشغلة الراقدي"- رحمهن الله جميعاً- وكان لهذا دور كبير في تخليد هذا الفن، والذي يسمى بالنقش".
خامات الطبيعة: أوضحت الفنانة "زهرة فايع الألمعي"، أن النقش الألمعي يستمد خاماته من الطبيعة، ويستخدم في تزيين المنازل والجدران والأدوات المنزلية، وقالت: "إنها أخذت تشكل هذه النقوش على الأواني المنزلية والتحف لتعطيها جمالاً متميزاً"، مؤكدة أن هذا الفن لا يستخدم الأشكال الواقعية من ذوات الأرواح.
الصبر والجمال: وعن أهم ما يميز النقش الألمعي، أفادت أنه يتميز بالألوان الطبيعية؛ كالأزرق، والبرتقالي، والأخضر، والأبيض، والأسود، وكانت المرأة قديماً تستخرج هذه المواد اللونية من الطبيعة لتزين منزلها؛ مما يؤكد على الحس الفني للمرأة في عسير، وشعورها المرهف، وتحسسها لجماليات الطبيعة. مضيفة: "هذا الفن يعوِّد النفس على الصبر وتذوق الجمال؛ حيث أقضي ساعات طويلة في رسم منقوشات القط على الأواني والتحفيات في منزلها، وأنا أشعر بالفخر لتعلمها هذا الفن".
لمسات: وأكدت الفنانة "فوزية بارزيق"، أن اجتماعنا وتفانينا في العمل يهدف إلى الحفاظ على هذا الفن من الاندثار يمثل هوية المنطقة، مؤكدة على أن كل فنانة وضعت في هذه اللوحة لمساتها وإحساسها الخاص بروح وذائقة جماعية.
أزياء وحضارة: وشددت الفنانة التشكيلية "حليمة عسيري" على أن هذا الفن يعكس حضارة وتراث منطقة عسير، مشيرة إلى استفادتها منه في أزيائها ولوحاتها التشكيلية، وقالت: "يجب الحفاظ على هذا الفن من خلال تنفيذ دورات تدريبية للفتيات والفنانات لتعلم أسرار هذا الفن الذي يعتمد على الزخرفة بشكل هندسي وبنقوش، وامتداد للفن الإسلامي، وهو ينتقل بالوراثة، وتجيده معظم النساء، ولا يخلو منه أي بيت عسيري قديم؛ فتجد الجداريات الجميلة المزخرفة بألوان وأشكال تجمع بين البراعة والحس الفني والدقة في تصميمها، وبأدوات كلها من إنتاج البيئة نفسها، وهي تبرز مدى امتلاك المرأة العسيرية للذوق، والحس الفني والهندسي أيضاً".
البيئة تعكس: ورأت "صالحة الألمعي" أن البيئة التي عاشتها المرأة في عسير انعكست لتكون لوحات شعبية رائعة، وقالت: "لقد استخدمت "الألمعية" في عمل هذه النقوش الألوان التي تستطيع تكوينها خلال العناصر الموجودة في بيئتها".
أصغر نقاشة: وبينت أصغر النقاشات "نوارة مغاوي"، 13 سنة؛ أنها تعلمت هذا الفن من الأمهات والجدات، وأنها نقلته إلى مدرستها وإلى لوحاتها الفنية وما تزال تستفيد من الدورات التدريبية التي تقدمها أشهر المبدعات في هذا الفن.
يذكر أن المشروع جاء بفكرة من الفنان "أحمد ماطر" والفنانة "أروى النعيمي" و"ستيفن ألكسندر" المهتم بالفنون العربية، وبتنظيم ودعم من مؤسستَيْ: "آرت جميل، وإيدج أوف آرابيا"، و"كاثي سيلي" من معهد الشرق الأوسط، ويشرف عليه الكاتب والباحث في التراث العسيري الأديب "علي مغاوي"، بمشاركة الفنانات: "شريفة محمد، فوزية محمد، فاطمة فايع، زهرة فايع، جميلة الصغير، صالحة الألمعي، عهود إبراهيم، أروى محمد، حليمة عسيري، صالحة الراقدي، عهود مغاوي، فوزية بارزيق"، وأصغر نقاشة "نوارة عبد الرحمن"، إضافة إلى المتحمسات اللاتي يترددن على مكان العمل للتعاون مع فريق العمل.