نجح خفض قيمة عملة الصين "اليوان" خلال الأيام الماضية في إغراق الأسواق السعودية بآلاف الأصناف من السلع الرديئة، وسط تحذيرات بأن هذه النوعية من السلع تكلف الاقتصاد السعودي خسائر فادحة، نظراً للعمر الافتراضي القصير لصلاحية هذه السلع، مقارنة بالسلع الأخرى التي تتمتع بجودة الصنع. وتعمد البنك المركزي الصيني في الأيام الماضية خفض قيمة عملة البلاد مرات عدة، كان أبرزها عندما خفض العملة بنحو 1.9 في المائة؛ الأمر الذي أربك اقتصادات العديد من الدول التي ترتبط مع الصين بعلاقات تجارية، كما أن خفض قيمة "اليوان" شكّل صدمة جديدة للأسواق الآسيوية؛ ما دعا البنك المركزي الصيني إلى إرسال "تطمينات" إلى من يهمه الأمر بأن هذه التخفيضات لها حدود، ولن تستمر فترة طويلة.
في المقابل، رأى تجار سعوديون أن في خفض اليوان فرصة ثمينة لتأمين كميات من السلع الصينية بأسعار مخفضة بحثاً عن الربح الوفير في زمن قياسي.
وجاءت بداية الموسم الدراسي في السعودية لتحمل معها أول اختبار حقيقي لتعامل الأسواق السعودية مع تراجع العملة الصينية؛ إذ أكدت مصادر أن أسواق القرطاسيات على سبيل المثال
شهدت هذا الموسم عمليات إغراق واسعة لعشرات الأنواع من السلع الصينية المتفاوتة في جودة صنعها. وأشار تجار إلى أن نحو 75 في المائة من أدوات القرطاسيات ذات جودة رديئة جداً، ويقدر عمرها الافتراضي بثلث أو ربع العمر الافتراضي للأنواع جيدة الصنع.
ويقر مستهلكون بتراجع أسعار القرطاسيات هذا العام بنسب متفاوتة، تصل إلى 15 في المائة، مقارنة بأسعارها في الموسم الماضي، لكنهم أشاروا إلى وجود أنواع كثيرة من أصناف القرطاسيات ذات جودة رديئة، تجتذب المتسوقين إليها، نظراً لأسعارها المنخفضة.
عمليات الاستيراد ويعترف عصام العبد اللطيف "تاجر" بتهافت التجار على عمليات الاستيراد هذه الأيام، مشيراً إلى أن بداية العام الدراسي فتحت شهية تجار القرطاسيات لاستيراد كميات كبيرة من السلع الصينية المخفضة، بفعل تراجع قيمة العملة هناك.
وقال: "كنت شاهداً على عمليات استيراد كثيرة، قام بها زملاء لي من الصين، حرصوا على تأمين عشرات الأنواع من الأقلام والدفاتر والألوان والأدوات الهندسية في الأيام التي سبقت بدء العام الدراسي، مستغلين تراجع العملة الصينية". موضحاً أن "غالبية التجار السعوديين يفضلون استيراد أرخص الأنواع من الصين، بصرف النظر عن جودة المنتج وفترة صلاحيته".
صندوق القمامة ويحمِّل مراقبون اقتصاديون الجمارك وهيئة المواصفات مسؤولية دخول سلع رديئة إلى أسواق السعودية، مؤكدين أن "قيمة هذه السلع تذهب أدراج الرياح، ولا يستفيد منها المستهلك؛ ما يسبب خسائر للاقتصاد السعودي". وقالوا: "من المستحيل أن نقف صامتين أمام مليارات الريالات التي تنفق على استيراد سلع لا فائدة منها". مشيرين إلى أن "أسواق السعودية أصبحت مكاناً ملائماً لترويج آلاف الأصناف من السلع الرديئة التي تأتي من الصين". وأبانوا أن "تجار الصين باتوا على وعي بأهمية السوق السعودي بالنسبة لهم، وأدركوا أن مستهلكي السوق عندنا يبحثون عن الأرخص؛ لذلك بدؤوا ينتجون سلعاً رخيصة للغاية، ويعرضونها على التجار السعوديين الذين يتهافتون عليها، مع علمهم أن هذه السلع سيكون مصيرها صندوق القمامة خلال ساعات من استعمالها". وقدر أحدهم نسبة السلع الرديئة في أسواق السعودية ب 75 بالمائة، وقالوا: "هذه النوعية من السلع تدر ربحاً جيداً للتاجر، ولكن – للأسف - على حساب المستهلك الذي لا يمكنه الاستفادة من السلعة الصينية التي اشتراها سوى أيام معدودة. وينطبق على العديد من السلع الصينية القرطاسيات، انتهاءً بالسيارات، مروراً بالأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية، وقطع الغيار، والخردوات، والأجهزة الإلكترونية والأثاث والمفروشات".
أربعة أقلام ودراجة ويقول خالد القحطاني "مستهلك" إنه أنفق 350 ريالاً لتأمين الأدوات القرطاسية لأبنائه الثلاثة، ويقول: "أشعر بأن هناك تراجعاً في الأسعار نوعاً ما هذا الموسم، ولكن في الوقت نفسه أيقنت أن جودة السلع الموجودة في الأسواق تكاد تكون منعدمة؛ إذ اختفت السلع ذات الجودة العالية، وإن وُجدت فأسعارها مضاعفة"، في إشارة إلى سيطرة الأنواع الرخيصة على الأسواق الشعبية والراقية. وتابع "ابنتي الصغيرة استهلكت في يومين دراسة فقط نحو أربعة أقلام رصاص، استهلكتها في (براية) صينية رديئة الصنع، كما أن ابني الصغير لم يستمتع بدراجته الصينية أكثر من ثلاثة أيام، قبل أن تصاب بثني في هيكلها الحديد، ويحتاج إصلاحها لمبلغ يفوق ثمنها وهي جديدة!!".
الإضرار بالصين وينتقد اقتصاديون المستوردين السعوديين مؤكدين أنهم ليسوا أبرياء من ظاهرة انتشار السلع المغشوشة، ويتحملون نسبة كبيرة من وجود هذه السلع بأسواق السعودية؛ ويدل على ذلك ما أفصح عنه الصينيون أنفسهم، عندما أعلنوا أن المستوردين السعوديين يبحثون عن السلع الأقل في الصين، ويتركون السلع الجيدة؛ لأن أسعارها مرتفعة. ويرون أن هؤلاء المستوردين أضروا بمقدرات الوطن، وألقوا أموال عملائهم في الأرض بشراء هذه السلع، كما أضروا بسمعة دولة مصنعة مثل الصين، التي أكدت أنها تنتج سلعاً ذات جودة جيدة، بجانب السلع الرخيصة ذات الجودة المتدنية.
جهود الجمارك وتعقد مصلحة الجمارك في كل عام منتديات مع خبراء ومتحدثين عالميين لمحاربة السلع المغشوشة والمقلدة. واحتضنت العاصمة الرياض قبل أشهر "المنتدى العربي الرابع لمكافحة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية. كما أن هناك جهات أخرى تعمل جاهدة لمحاربة السلع المغشوشة، وتقوم بعمل تكاملي مع "الجمارك"، وهي وزارة التجارة والصناعة، وهيئة المواصفات والمقاييس.