سببت ظاهرة هروب الخادمات إزعاجاً كبيراً للأسرة السعودية، ولاسيما قبيل شهر رمضان المبارك من كل عام؛ وذلك لوجود سوق سوداء تديرها شبكات منظمة من العمالة الوافدة، تضخم رواتبهن في الشهر الكريم؛ لتتجاوز 5000 ريال، فضلاً عن مبلغ سمسرة الوسيط وأجر سائق السيارة الذي يقوم بإيصالها، إما للبيت أو أحد المراكز التجارية. وهذه الظاهرة - بلا شك - تشكِّل ضرراً كبيراً على المواطن والدولة.
"سبق" من خلال هذا التقرير فتحت الملف، وتقمصت الدور للوصول إلى سماسرة الخادمات من الجنسين، الذين يمارسون المهنة "عيني عينك" في وضح النهار متحدين القانون.
وأرجع البعض تزايد هروب الخادمات في السعودية تزامناً مع قرب شهر رمضان المبارك، الذي وصل في العام الماضي في شهر واحد فقط إلى أكثر من ستة آلاف حالة هروب، إلى ضَعْف تطبيق الأنظمة بحق المتجاوزين.
الحصول على خادمة في نصف ساعة وتفضل الكثير من الأسر السعودية جلب خادمات بالإيجار للعمل في شهر "رمضان" عن طريق السماسرة؛ إذ إنه بمجرد اتصال هاتفي تستطيع الحصول على عاملة منزلية حسب الطلب، بإيجار شهري يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة آلاف ريال، يُمنح لها نهاية الشهر، أو بشكل يومي، حسب المتفق عليه؛ كونها الطريقة الأوفر والأسرع والأسهل من الطرق النظامية التي تتطلب الانتظار أشهراً، فضلاً عن تكاليفها التي قد تصل إلى 20 ألف ريال سنوياً. ليس هذا فحسب، بل إنها قد تلجأ للهروب في أول شهر!
خطة هروب ناجحة في البداية قال المواطن سلطان الحريب: استقدمتُ خادمة من إحدى الدول الإفريقية عن طريق أحد مكاتب الاستقدام المعروفة في مدينة الرياض، وعملت لدي نحو سنة والنصف السنة براتب شهري يقدر ب700 ريال، وطلبت مني بعدها زيادة الراتب، وهو ما حدث؛ إذ رفعته إلى ألف ريال.
وأوضح: قامت الأسرة في أحد الأيام بزيارة إلى أحد الأقارب، الذين يوجد لديهم خادمة مخالفة لإقامة العمل، والتقتها، وأغرتها؛ وهربت برفقتها.
وناشد "الحريب" وزير العمل إصدار تنظيمات تُحِدُّ من هروب الخادمات؛ حتى لا تكون بلادنا مرتعاً لمثل هؤلاء.
"سبق" تشارك في استلام خادمة هاربة كما رافقت "سبق" أحد المواطنين وهو يستلم خادمة من أحد السماسرة في أحد مواقف المولات بالرياض، ورفض أن نقوم بتصوير استلام الخادمة. وقد اتفق المواطن مع السمسار أمامنا على أن يعطيها 4000 ريال، ويكون حصته من السمسرة 300 ريال و50 ريالاً مقابل توصيلها، على أن يسلمها له ليلة عيد الفطر المبارك.
وعند سؤالنا عن سبب تجاوز هذا المواطن للتعليمات، وتشغيل خادمة لا تحمل أوراقاً رسمية، وبدون شهادات صحية، قال: أنا مضطر لذلك؛ فأسرتي كبيرة، ومبالغ استقدام الخادمات عالية جداً، ومدة الاستقدام تتجاوز ثمانية أشهر!
رضوخ للتهديدات وذكر ل"سبق" المواطن عبدالله السبيعي أن لديه خادمة متخلفة، لا تحمل أوراقاً رسمية، وقال: أخذتُها من أحد الأحياء الشعبية براتب 2000 ريال، وعملت لدي أكثر من ستة أشهر، وفوجئت بأنها تطلب مني زيادة راتبها إلى 3700 أو ترك العمل لدي؛ فاضطررت إلى إعطائها هذا المبلغ بشرط أن يكون خلال شهر رمضان فقط.
اقتحام عالم السماسرة "سبق" لم تكتفِ بذلك، بل إنها اقتحمت عالم السماسرة، الذي ينشط بشكل كبير وملحوظ قبيل شهر رمضان المبارك من كل عام، بعد أن تقمصت دور مواطن في حاجة ملحّة لعاملة منزلية للعمل في شهر رمضان؛ وتواصلت مع سمسار يدعى "إسماعيل" من جنسية إفريقية، يسكن أحد الأحياء الفقيرة جنوب العاصمة "الرياض"، وحصلت على رقمه من الإنترنت.
وقد وافق السمسار على جلب خادمة للمحرر بشرط راتب شهري قدره 5400 ريال، بواقع 30 ريالاً عن كل ساعة تقضيها في العمل، الذي يمتد لست ساعات عمل يومياً، على أن يحصل هو على مبلغ قدره 250 ريالاً عمولة. وقال إنه يجب الانتظار خمسة أيام حتى يستطيع توفير عاملة؛ كون السوق يمر هذه الأيام بحالة شح بسبب الطلب الكبير والمتزايد على العاملات في شهر "رمضان".
حسب الطلب وأكدت "فاطمة" - وهي سمسارة من جنسية شرق آسيوية، تسكن أحد الأحياء الراقية شمال العاصمة الرياض - أن الخادمات المتوافرات لديها من الجنسيتين السريلانكية والهندية، وأنه يجب التكفل بدفع قيمة التاكسي عند حضورها وانصرافها، ودفع راتب شهري لا يقل عن 4 آلاف ريال.
ولا تشترط "فاطمة" عقداً، وكل ما تطلبه هو وصف المكان، ودفع المبلغ؛ حتى تصل العاملة، التي قد تكون من الهاربات المعمم عنهن لدى الجهات المعنية.
تأجير العمالة غير نظامي من جانبه، قال سعد بن محمد (صاحب مكتب استقدام) ل"سبق" إن من أسباب هروب الخادمات في السعودية تردي أوضاع الاستقدام، وفشل الوزارة في إدارة الملف. موضحاً أن من أسباب هروب الخادمات انتشار عصابات التهريب، وأيضاً مساهمة المواطنين في المشكلة بعدم التبليغ. وأضاف: بخصوص نظام تأجير الأفراد للعمالة فهذا أمر مخالف للنظام، ويوجد فقط شركات يسمح لها بتأجير جميع العمالة وفق ضوابط واشتراطات معينة.
6500 حالة هروب في شهر وكانت إدارة الجوازات قد كشفت في وقت سابق عن تلقيها خلال شهر رجب من العام الماضي فقط - وهو الشهر الذي يسبق "رمضان" بشهر واحد - أكثر من 6500 بلاغ ضد هروب العاملات، بواقع 217 حالة يومياً، وهو رقم ينذر بالخطر.
عقوبتها السجن عامين والغرامة 100 ألف وقد لا يعلم الكثير أن تشغيل وإيواء الخادمات الهاربات والتستر عليهن مخالفة صريحة وواضحة للأنظمة والتعليمات الصادرة من وزارة الداخلية، قد تصل عقوبتها للسجن عامين، أو دفع غرامة مالية قدرها 100 ألف ريال، أو بالعقوبتين معاً.