تمتاز جبال بلغازي في محافظة العيدابي بعمق مواقعها الأثرية منذ عهود مضت، وما زالت شواهد ذلك التاريخ قائمة حتى اليوم، تشهد على عظمة الأجيال السابقة على الرغم من الظروف الطبيعية الصعبة والتقلبات المناخية المتنوعة. ولا تكاد تخلو جبال بلغازي الشاهقة من القلاع الأثرية التي تحكي شموخ الماضي العريق الذي يبرز الإبداع الإنساني من خلال عناصر الفن والجمال والتميز والأصالة، حيث إنه يعكس جانباً من جوانب الهوية الوطنية ودورها التاريخي الذي تقرأ في جنباته أبعاداً ثقافية واجتماعية وسياحية وإستراتيجية.
لمحة رحالة كتب عن تاريخ وآثار جبال بلغازي في الكتب التاريخية القديمة، التي اهتمت بتاريخ المنطقة مثل كتاب التاريخ الأدبي لمنطقة جازان لمحمد بن أحمد العقيل والرحالين أمثال البريطاني ويلفرد ثيسجر وغيرهم، لمحات تطرقوا فيها إلى ذكر بعض المسميات دون التعمق في ذكر تاريخها ومواقعها، ولعل ذلك يعود لعدة أسباب منها: العزلة من جهة، وصعوبة الوصول إليها من جهة أخرى.
قلاع أثرية ومن تلك القلاع والأثار قرية عكوة، قرية الكباس، قرية القاسية، قرية الحنواء، قرية الحرف، قرية شهران، قرية الخطوة، قرية بادية، قرية الحذير، قرية الخطو، قرية زيدان، قرية آلِ حسن علي، قرية مشعوف، قرية نيد طلان، قرية سطح الطارق، قرية مسقيف، وكذلك قرية محارب، وغيرها من القرى الأثرية الموجودة على نطاق محافظة العيدابي.
خبرة هندسية بالفطرة وتشتهر تلك المواقع الأثرية بطراز معماري فريد وأشكال هندسية بديعه ودقة متناهية في التصميم والتنفيذ وصلابة شديدة، على الرغم من مضيّ أكثر من 14 جيلاً عليها، أي بما يقدر بمئات السنين، ولم يدخل على بنائها إلا مواد بسيطة جداً عبارة عن أحجار وأخشاب اختيرت بعناية فائقة، وأحضرت من أماكن بعيدة على سواعد الرجال، وبطرق بدائية وابتكارات متواضعة، متحدين في ذلك العوامل الجغرافية والتضاريس الصعبة والمناخ المتقلب وعناء البعد؛ لتبقى إنجازاتهم صامدة على مدى التاريخ تحكي للأجيال المقبلة حضارة سلف لا يعرف منها إلا القليل.
تراث مهمل وقال يحيى الغزواني ل "سبق": "في وقتنا الحاضر لم تنل نصيبها من الخدمات والاهتمام في ظل التجاهل والصمت والتهميش من قبل الجهات المعنية، ولم يتكلف المثقفون والكتَّاب والمهتمون من أبناء المنطقة عناء البحث والتدوين والتوثيق والدراسة لهذه الآثار التي طالما حلمت بأن تحظى ولو بالشيء القليل من حقها كسائر المحافظات الأخرى".
وتساءل عن دور السياحة وما قدمته لهذه الأثار التي بدأت تندثر وتختفي يوما بعد يوم بفعل الإهمال والتخريب والسرقة من قبل العابثين الذين يبحثون عن الكنوز القديمة دون الاكتراث بسلبيات وتبعيات ذلك العمل، ودون العلم بقيمتها التاريخية.
حمايتها وقال المتخصص في السياحة والآثار عبدالله الفيفي، ل"سبق": "من سبل المحافظة عليها وحمايتها من الاندثار أولاً توثيقها من خلال دراسة تشمل (الموقع الجغرافي، والعمر الزمني)، ومن ثم التعريف بقيمتها التاريخية وإعادة ترميمها بالشكل الذي يتناسب مع طبيعتها التي كانت عليها لتصبح متاحف تحتفظ بماضيها العريق".