أكد باحث سعودي معروف أن تعبير " مظاهرة سلمية " ليس صحيحاً، لان هذا النوع من المظاهرات غير موجود على أرض الواقع ، مشدداً في دراسة حديثة على أن الدعوة للتظاهر هي دعوة للفتنة والفرقة وخروج عن الجماعة . وشدد الدكتور ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد إمام وخطيب جامع الإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى على أن أضرار المظاهرات أكبر من أضرار البطالة وضعف الرواتب ، كما أن الإضرار ببلد مثل المملكة يعد إضراراً بأمن الحرمين الشريفين . وأثبت الحمد حرمة المظاهرات في المملكة على وجه الخصوص، واستند في ذلك إلى القرآن والسنة وأدلة الفقهاء القاطعة, فيما نفى وجود ما يسمى بالمظاهرات السلمية. وبين الحمد في بحثه الذي عنونه ب"الحجج الجلية في تحريم المظاهرة في السعودية" أنه في الآونة الأخيرة انتشرت عدة مظاهرات بعد أحداث تونس، وأطلق عليها "المظاهرات السلمية"، وذلك برفع الأعلام لذلك البلد الذي تحصل فيه، إيحاء منهم بالوطنية، ثم جرت بعدها المظاهرات في مصر وليبيا، وأخذت تنتقل العدوى إلى البلاد الأخرى، ولكن الواقع يشهد أنها وإن سُمّيَت "سلمية" بل وإن أراد أصحابها أن تكون سلمية، فإنها حتماً لن تكون كذلك لعدة أسباب، منها أن المتظاهرين ليس لهم قائد يقودهم، بل هي قيادات متعددة، وأخرى قيادات لا يعرف مصدرها، ولذا يتصرف كل واحد برأيه وفكره، ولعل من الشواهد على ذلك ما حدث في بداية المظاهرات في مصر، حيث حصلت السرقة والاعتداء على أموال الناس، مع التخريب والحرق، مما لا يقره عاقل فضلاً عن مسلم، إضافة إلى أن هذه المظاهرات هي ضد الحاكم، والحاكم بيده القوة والسلاح الأظهر والأقوى، وهو مُطالب بحفظ أمن بلده، ولذا فلن يقف مكتوف اليد أمام هذه المظاهرات، وهذا ما ظهر جلياً واضحاً في جميع المظاهرات، فكيف يُصر البعض على أنها سلمية؟!. وحتى ولو بدأت هذه المظاهرات سلمية، فهي لن تنتهي على السلم، وهي غالباً ما تنتهي بالكوارث، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية". ومن يرى الدعوات للمظاهرة -مثلاً في السعودية- يجد أن الداعين لها يملؤون دعوتهم بالتحريض والتهييج، مع رسومات الدماء، فهل هذا يوحي بالسلمية؟!. وحول تحريم المظاهرات في السعودية على وجه الخصوص بين الباحث أن ولي الأمر الشرعي في هذه البلاد يمنع المظاهرات، ومنعه لها لأجل مصلحة شرعية، لتحريم المظاهرات من علماء هذا البلد، إذ إن المظاهرات مستقاة من دول غربية، وهي تضر أكثر مما تنفع، وأيضاً يمنعها ولي الأمر للمصلحة الأمنية، وذلك لحفظ الأرواح وقطع دابر السعي للفوضى والإخلال بالأمن وتدمير الممتلكات وقطع التصرفات العابثة، في حين أنَّ الدول الأخرى فتحت مجالاً للمظاهرات وأذنت فيه، فإذا كان ولي أمر هذه البلاد منعه فطاعته واجبة ومعصيته محرمة, إضافة أن لبلاد الحرمين خصائص ليست لغيرها من البلدان، منها وجود الحرمين الشريفين، والمشركون كانوا يعظمون أهل الحرمين لمجرد وجودهم، قال تعالى (أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون). قال القرطبي رحمه الله (ذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، وأهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت، ومنع عنهم عدوهم، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة فيقتالهم) تفسير ج13 ص300. فإذا كان هذا في شأن الكفار، ففي شأن المسلمين أكبر، وقد أصبحت السعودية كلها بلداً تابعاً للحرمين، وأي مساس بها هو مساس بأمن المسجد الحرام، وهذا يعرفه كل مطلع، هذا مع أن أمن الحرمين الشريفين هو أمن للعالم الإسلامي كله، حيث يأتون إليه من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليطوفوا بالبيت العتيق. ويقول الباحث عن تطبيق الشريعة والإعلان بذلك إنه ليس هناك دولة تعلن تطبيق الشريعة كما هي حال هذه البلاد، وهذا لا يعني تبرئتها من الخطأ أو الجور أو وجود المنكر، فإن المعتصم والمأمون والواثق -عليهم رحمة الله تعالى- قالوا بقول صريح في الكفر، وهو القول بخلق القرآن مع ما أضيف إلى ذلك من قتل العلماء والصلحاء، ومع ذلك فإن العلماء لم يتربصوا به أو يهيجون الناس عليه، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في يوم المحنة: (بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ولم يكفرهم أحمد وأمثاله؛ بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين؛ وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين) مجموع الفتاوى ج7ص507- 508. وحول حججه وأدلته على تحريم المظاهرات في السعودية بين الباحث أن طاعة ولي الأمر واجبة بالكتاب والسنة في أدلة ظاهرة، لا يستطيع أحد أن يردها لمجرد حماسه أو عاطفته أو هواه، مضيفاً أنه تعجب من أحد الفضلاء من أهل العلم، حين رأى أنه لا يجب طاعة ولي الأمر في المباح، مشبِّها المظاهرات بما لو منع ولي الأمر من أكل اللحم وركوب الطائرات، وما أباح الله تعالى من الأشياء الشخصية، وقد قاس عليها المظاهرات التي هي من شأن ولي الأمر في حفظ بلاده وأمنه، فهناك فرق عظيم كبير بين أحوال شخصية وبين أمور هي من صميم شأن ولي الأمر، أما ما تحدث عنه في منع المباح وتقييده، فذلك في مسائل لا تتعلق بأمن أو رعاية، بل هي في مباحات شخصية كالأكل والشراب والاستمتاع وغير ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) متفق عليه.
الأدلة القاطعة على تحريم التظاهر:
الحجة الأولى: وفي جزء آخر من بحثه بين الباحث أدلة حرمة التظاهر فيقول "قال الله جل جلاله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْل اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم ْفَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِه لَعَلَّكُ تَهْتَدُونَ} (103) سورة آل عمران. وقال: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال. ويبين الباحث أن هذه الآيات تأمر بالاجتماع وتنهى عن الفرقة والاختلاف، والدعوة للمظاهرات في هذه البلاد هي دعوة للفتنة والفرقة والاختلاف، وخروج عن الجماعة، فعن عرفجة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه" أخرجه مسلم 3443 ورواه مسلم 3442 بلفظ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان" وفي لفظ "فاقتلوه" وفي لفظ "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه". ويضيف الباحث أن أهل العلم استقرؤوا مفهوم "الجماعة" في هذه الأحاديث وغيرها بأنها تدور على ثلاثة مفاهيم للجماعة: الأول هي جماعة اتباع الحق وترك البدع، فهذه حتى لو كان الواحد بنفسه، مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أيام الفتنة بخلق القرآن, الثاني: يتعلق بالسواد الأعظم من المسلمين فيما يتعلق بالاجتماع, أما المفهوم الثالث فهو أن الجماعة هي لزوم إمام المسلمين، ومرادنا هنا هو المفهوم "الثاني" و"الثالث".
الحجة الثانية: يقول الباحث إن الحجة الثانية تحوي ثلاث قواعد: الأولى هي "لا ضرر ولا ضرار"، مبيناً أنه حديث حسن بمجموع طرقه، وقد أصبحت قاعدة فقهية كبرى في كثير من أحكام الشرع، ووجه الاستدلال بهذه القاعدة أنه قد ثبت أن هذه المظاهرات تضر بالناس وتقتلهم وتهلكهم، وقد كان هذا في بلاد يسمح لهم فيها بهذه المظاهرات، فكيف إذا حصل هذا في بلاد تمنع فيه هذه المظاهرات، وهي مبنية على فتاوى لعلماء أجلاء وثق الناس فيهم وفي فتاواهم في زمان مضى، كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى. أما القاعدة الثانية فهي تابعة للقاعدة الأولى "الضرر لا يُزال بالضرر" فهذه المظاهرات التي تعالج المنكرات والأخطاء كضعف الرواتب ووجود البطالة ووجود السجناء المظلومين، فهذا ضرر لا ينكره أحد مطلع، ولكن الضرر بالمظاهرات أكبر، حيث تحصل الفتنة وتحصل الدماء، وإن زعم زاعم غير ذلك فالواقع خلاف ما يزعم، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل رأس المنافقين على رغم إثارته الفتنة والزعزعة بين صفوف المؤمنين والوقوف مع الأعداء، ومع ذلك فإنه لم يأمر بقتله وقال (لا يتحدث أن محمداً يقتل أصحابه) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقم عليه حد القذف مع أنه من تولى حادثة الإفك، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد ج3 ص264 عن سبب عدم إقامة الحد على رأس المنافقين: (وقيل: بل ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه، وتكلمه بما يوجب قتله مراراً، وهي تأليف قومه، وعدم تنفيرهم عن الإسلام، فإنه كان مطاعاً فيهم، رئيساً عليهم، فلم تؤمن إثارة الفتنة في حده). ويقول الباحث هنا "فانظر كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمراً واجباً شرعه الله تعالى، وهو إقامة الحد بسبب وجود الضرر بإقامته، فكيف بضرر يتعلق بحقوق للآدميين؟!". ثم تطرق الباحث للقاعدة الثالثة التي هي "ارتكاب أخف الضررين" فيقول: هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، لما تحدث عن صلاة أهل البدع، وقد يكونون أئمة على المسلمين، فيجب ألا ترتكب المفسدة الأعظم بمقابل المفسدة. وهنا يقول الدكتور ناصر إنه عندنا ضرران متحققان: الأول حصول الظلم من الوالي أو الجور، المصلحة المترتبة هي وجود الأمن وعدم الاضطراب، مع وجود تحكيم الشرع، الذي لم تعلن عنه دولة في الأرض "دستوراً" إلا هذه الدولة، هذا في مقابل المصلحة المرادة بالمظاهرة، وهو الحصول على المطالبات، وأما الضرر المترتب حصول الفتنة وفرقة الصف وتسليط الأعداء، بل وخدمة الأعداء الذين يتربصون بهذه البلاد وأهلها سوءاً، مثل إيران وأمريكا وغيرهما ممن يسعون في تقسيم البلاد، فأي الضررين أخف من الآخر عند العقلاء وليس أصحاب الحماس والعاطفة؟!. ويتساءل الحمد هنا: هل تعتبر المظاهرات الحالية خروجاً أم لا؟ ويجيب بدوره قائلاً "يعرف أهل العلم الخارجين على ولي الأمر "البغاة" بتعريفات كثيرة، تشترك كلها في كون المبغي عليه هو الإمام الذي ثبتت ولايته، وكذلك ذكروا غرض البغي، فمنهم من ذكر الامتناع عن الانقياد بمنع حق الله، أو حق لآدمي توجب عليهم، ولاشك أن من الأشياء التي منعها ولي الأمر حفظاً للأمن في البلاد، ودفعاً لإثارة النزعات القبلية وغير ذلك، هي المظاهرات، إذن فالذي يريد أن يتظاهر في هذه البلاد يخالف هذا الأمر، ويسعى في إثارة الفتنة والبلبلة وفرقة الصف، هذا مع النداءات المشبوهة الكثيرة لهذه المظاهرات. وأوضح الدكتور الحمد أنه إذا رفض البعض القول إن المظاهرة الموسومة بالسلمية هي "خروج"، فإننا نقول له إنه لا يعدوا كون المتظاهرين من أهل الحرابة، لأنهم قطعوا الطريق على المسلمين في هذه التصرفات، ولو لم يكن لأجل الاعتراض على حكم الحاكم، بل لأجل مطالبات فقط، فإنهم حينئذ قطاع طريق، وقد عرف بعض أهل العلم الحرابة بأنها خروج ولو لمجرد إيجاد ربكة وقطع سبيل، بل ولو لمجرد السعي بإيذاء فئةٍ يسيرة من المسلمين، فكيف إن كانت كثيرة؟. قال ابن عرفة: "الحرابة هي الخروج لإخافة سبيل، بأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه، أو ذهاب عقل أو قتل خفية أو لمجرد قطع الطريق, الإمرة ولا لنائرة ولا عداوة". مواهب الجليل: 6/314، حاشية الخرشي: 1/334. فتأمل قوله "لا لإمرة ولا لنائرة ولا لعداوة" يعني من دون سبب في إمارة أو طمع في شيء ولا حقد، بل هو بمجرد شق عصا الطاعة وإثارة الفتنة. إذن فعلى كل حال ستكون هذه المظاهرات محرمة، سواء أكانت بغياً أو كانت قطعاً للطريق وإخافة الناس الذين هم بمنأى عن هذه المظاهرات الغريبة على مجتمعهم.
الحجة الثالثة: إن الإسلام لم يشرع عند ظلم الحاكم الشرعي -مع حكمه الظاهر بالإسلام- إلا الصبر على جور الأئمة، ولا يشك أحد أن حكام هذه البلاد أصلح الحكام من ناحية الحكم الظاهر بالإسلام، حيث تطبيق الشريعة وحفظ شعائر الإسلام الظاهرة، وهذا لا يعني عدم وجود المنكرات والظلم والتعدي، ولكن كل هذا لا يسوغ إثارة الفتنة وإشاعة البلبلة. ولم نر سبباً مسوغاً للخروج أو شق العصا في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا الكفر البواح، سواء من الحاكم أو ما يحكم به، أو عدم إقامة الصلاة، أو منع الأمور الظاهرة في الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام مثلاً، ولذا جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تربط الأمر بالصلاة (ما أقاموا فيكم الصلاة) أو بوجود الكفر الصريح (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، ولذا فإن مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالصبر عند جور الأئمة، هو نهي لهم عن استعمال الإثارة والفوضى بأي شكل من الأشكال، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر يلزم منه النهي عن ضده، وهو مثل هذه المظاهرات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "ويقول الفقهاء: الأمر بالشيء نهي عن ضده فإن ذلك متنازع فيه. والتحقيق أنه منهي عنه بطريق اللازم" الفتاوى ج20 ص118.
الحجة الرابعة: أليس هناك طريقة للإنكار أو التغيير غير المظاهرة؟. يقول الدكتور ناصر إن الغرض من المظاهرات هو التغيير أو الإصلاح، وهو أسلوب فوضوي وفيه ترويع، وبخاصة في هذا البلد الذي لم يعتد على مثل هذه التصرفات, لكن ثبت أن طرقاً أخرى نجحت في التغيير، سواء للخير أو الشر، فهناك المقابلة للوالي أو المسؤول، وهناك المكاتبة والمهاتفة والمقال، وغير ذلك من الطرق التي ثبت أنها غيرت أشياء جوهرية، فكيف نلجأ لشيء فيه إثارة للفتنة مع وجود وسيلة أخرى ليس فيها إثارة للفتنة ولا للسعي فيها؟. ففي الحديث المشهور الصحيح عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه وكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم) أو أئمة المسلمين وعامتهم. وهذا إرشاد للحل مع ولي الأمر في النصيحة له، ولا شك أن النصيحة له دليل على عدم وجود الغل والحقد في القلوب، وهو الذي يسعر نار الفرقة والاختلاف وترك الطاعة والغل والحقد، وأما الاستماع للعاطفة والهوى فهو الذي يشعل نار الشر بين الحاكم والمحكوم.
الحجة الأخيرة: الأمن مطلب شرعي، والمظاهرات تمزق الأمن وتزعزع الصف وتقتل الوحدة، وقد جاءت أحاديث كثيرة تحذر من ترويع المسلم أو السعي فيما يقلق نفسه أو يبعث له الهم والحزن، فضلاً عن إثارة الفتن التي لا يُدرى ما نهايتها. قال صلى الله عليه وسلم: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من فزع يوم القيامة)، المعجم الوسيط 2350. وفي آخر بحثه وجَّه الدكتور ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد رسالتين: الأولى لإخوته في هذه الأرض الطاهرة قائلاً: إن الفتنة إذا قامت لا تكاد أن تنطفئ إلا على الأجساد والأرواح، وإنَّ عدو الله إبليس لن يرضى بتحقيق هوى ابن آدم ورغبته في دنياه حتى يفسد عليه آخرته، ولن يهنأ له بال حتى يديم على ابن آدم الوبال في تفريق للشمل وتمزيق للكلمة وقتل للوحدة، فعدو الله إبليس لا يرضى أن نكون على قلب واحد، ولا على يدٍ واحدة، فإن أعظم ما يسعى إليه (ولأضلَّنهم ولأمنينَّهم) فلا تذهب بكم الأماني بعيداً، فإن الدنيا لا تدوم على حال، والحال تغني عن المقال، فلا يأخذنكم الحماس أن تتبعوا بعض الأنجاس ممن لا يرجون لله وقاراً، وقد مكروا مكراً كباراً، وزعموا أنَّهم يريدون الراحة للناس من جميع الأجناس. والرسالة الثانية إلى ولاة أمرنا، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ونائباه، قائلاً: فإننا لا ننزع يداً من طاعتكم، ولكم السمع منا والطاعة في المنشط والمكره وأثرة علينا، وأن نجاهد معكم ولا نشق عصا طاعتكم، وأن نلزم جماعتكم، ومن هذا المنطلق فإننا نناشدكم -ولاة أمرنا- أن ترفعوا الظلم عمن ظُلم، وتضعوا اللقمة في فم الجائع الذي حُرِم، وأن تفكوا العاني السجين ممن حُكم وانتهت محكوميته فلم يُحتكم، أو من لم يحكم عليه ولبث في السجن بضع سنين، واتخذوا بطانة تأمركم بالخير، فإنكم أبناء آباء كرام، فلا تتخذوا إلا القوي الأمين، ولعلي أبث إليكم وصية ابن بطال رحمه الله تعالى إلى من ولي أمر المسلمين.