"صحيح الضنا غالي، لكن حب الوطن أغلى". فيا لها من مشاعر صعبة وقاسية، يعيشها أسر الجنود المرابطين على الحدود. فبين حين وآخر تنتظر أم فقدان ابنها، أو تنتظر زوجة استشهاد زوجها، أو يغيب أب عن إعالة أسرته.. وبالرغم من حالة القلق والخوف التي يمر بها أسر الجنود، وتزداد يوماً بعد آخر، إلا أن حديث أسر الشهداء يؤكد أن حب الوطن ليس كلاماً بين دفتي الكتب، أو كلمات يصدح بها الشعراء. "سبق" التقت أمهات الشهداء اللاتي أكدن ل"سبق" أن أبنائهن فداء الواجب الوطني. وبالرغم من الحزن على فقدان الحبيب إلا أن الفرحة بالاستشهاد وخدمة الوطن تعلو على أي شيء.
فداء الوطن وبصوت تمتزج فيه آهات الحزن على فراق الابن، والفرح بالاستشهاد، تحدثت إلى "سبق" والدة الفقيد الشهيد مجند محمد الحربي، الذي كان مرابطاً في قطاع ظهران، ووافته المنية يوم الجمعة الماضية. قالت: علمت بوفاة ابني مساء الجمعة وأنا عند أخته في مدينة جدة. وقد تلقيت الصدمة بكل هدوء، واحتسبته عند ربي. وقالت: ولدي - رحمه الله - كان يبذل قصارى جهده لإرضائي وإسعاد زوجته وابنه الوحيد، ولم يقصر يوماً في حقي وحق أسرته الصغيرة التي بناها منذ أقل من عامين فقط، بيد أني أشعر بالفخر تجاهه؛ فهو شهيد الوطن الغالي. موضحة أنها ربت ابنها على حب الوطن والانتماء له، وقالت: رضع ولدي في طفولته حب التضحية والفداء. وبالرغم من فقدان ولدي الغالي وأكبر أبنائي - رحمه الله - إلا أنني شعرت بأنه فقيد الوطن كله. معبرة عن امتنانها باهتمام الدولة بهم، وحضور ولي ولي العهد لأسر المصابين والشهداء. وقالت: اهتمام المسؤولين خفف الكثير على الأسرة. وبسؤالها عن زوجته أجابت: أدعو الله أن يخفف عنها حزنها، ويصبرها على فراق الغالي. موضحة أنها ليست قلقة على ابنه الذي لا يتجاوز 9 أشهر؛ فالوطن بأكمله يقف بجانبه.
وحاولت "سبق" أن تتحدث إلى زوجة الفقيد المجند محمد الحربي إلا أن مرضها منعها من الحديث.
رباطة الجأش وتواصلت "سبق" مع علي القحطاني، شقيق الشهيد مجند عبدالرحمن القحطاني، الذي كان في رقابة مركز الحصين (قطاع ظهران الجنوب) عند الحدود اليمنية، موضحاً أنه علم بوفاة أخيه من أحد أقاربه المجندين إثر تبادل إطلاق النار ضد الحوثيين. وقال: أخي منذ سنتين وهو مرابط على الحدود اليمنية، ودائماً كان يتحدث معنا عن مدى سعادته بكونه دائماً عند حسن ظن رؤسائه. وقال: أشعر بالفخر والاعتزاز لأنه توفي وهو يدافع عن أرضه ووطنه؛ فهو لم يمت في حادث أو بمرض ما، بل مات واقفاً صامداً. مؤكداً أن الأسرة بأجمعها رغم حزنها بفراقه ألا أنها تلقت الخبر برباطة جأش، معتبرة وفاته واجباً وطنياً، ليس لنا فيه شيء.
وتحدثت والدة الشهيد الشاب عبد الرحمن القحطاني بصوت يمزج بين الرضا بالمكتوب والحزن على من فُقد، قائلة: كان عبدالرحمن أصغر أبنائي، والمقرب إلى قلبي؛ فهو الطفل والشاب المدلل من الجميع، وتوفي والده منذ زمن، وتوليت رعاية أبنائي وبناتي، وعانيت كثيراً في حياتي، إلى أن كبر وأصبح هو وأخوه الأكبر رجلين. وكم تمنيت أن يشدا أزري، ويعوضاني عن سنوات التعب والشقاء من أجل تربيتهما. وعندما علمت بأنه تم تجنيده منذ سنتين سعدت كثيراً، لكني لم أعلم بما يخبئه القدر لنا. وتابعت بصوت تملؤه القوة: منذ سنتين وابني مرابط على الحدود لحماية الوطن، ودائماً كان يحدثنا عن الأمن والأمان اللذين ينعم بهما وطننا الحبيب، إلا أني احتسبته من الشهداء، وأشعر بالعزة؛ فهو مات على حق، وفي الدفاع عن الحق. وأنهت حديثها بقولها "راضية بقضاء الله، وكلي فخر بابني، ولو طلب الوطن أبنائي لقدمتهم جميعاً فداء للوطن".