أكدت المملكة العربية السعودية في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان في افتتاح أعمال الدورة "28" في جنيف، اليوم الاثنين، أن حرية التعبير لا ينبغي أن تكون ذريعة لانتهاك حقوق أخرى، باعتبار أن حقوق الإنسان متكاملة ومترابطة، مشيرة إلى أن عدم الأخذ بمبدأ التقييد النظامي المتسق مع المعايير الدولية، التي نصت على أن حرية التعبير الغير مقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين أو النيل من كرامتهم أو معتقداتهم، أو مخالفة النظام العام أو الآداب العامة، من شأنه تغذية التطرف المؤدي إلى الكراهية والعنف. وقال رئيس وفد المملكة الدكتور بندر بن محمد العيبان رئيس هيئة حقوق الإنسان: "الواقع ينافي القول بإمكانية الفصل في كل الأحوال بين حرية التعبير وردود الأفعال عليها، ويؤكد وفد بلادي ضرورة مضاعفة الجهود للتصدي لظاهرة ازدراء الأديان والمعتقدات ورموزها، ومن ذلك وفاء الدول بالتزاماتها وفقاً للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري".
وأضاف: "اختلاف ثقافات بلدان العالم حقيقةٌ ماثلة وواقعٌ معاش، ومحاولات فرض ثقافات وممارسات بعينها على المجتمعات في مسائل حقوق الإنسان تتنافى مع الطبيعة البشرية التي أرادها الخالق جل وعلا أمرٌ غير ممكن، ولذا ترى حكومة بلادي ضرورة مراعاة التنوع الثقافي واستثماره في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأن يدخل ذلك ضمن مفهوم "عالمية حقوق الإنسان".
وأردف "العيبان" في كلمته: "التزام المملكة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ينطلق من منهجها الراسخ المستمد من الشريعة الإسلامية التي أوجبت حماية حقوق الإنسان وحرَّمت انتهاكها على نحوٍ يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع".
وتابع: "الأمن والاستقرار والازدهار هي عوامل أساسية في مسيرتها الحضارية نحو تنمية مستدامة تحترم حقوق الإنسان وتحميها من خلال سن الأنظمة واللوائح، وإنشاء المؤسسات الحكومية ودعم مؤسسات المجتمع المدني".
وقال "العيبان": "في إطار تطوير مرفق القضاء، وبما يعزز حقوق الإنسان؛ فقد صدر مؤخراً أمرٌ ملكي، يقضي بتشكيل لجنة متخصصة لإعداد مشروع مدونة للأحكام القضائية وتصنيفها على هيئة موادٍ تستند على أبواب الفقه الإسلامي".
وأضاف: "صدرت اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية المعدَّل، والتي تضمنت أحكاماً تنفيذية خاصة بإجراءات الاستدلال والقبض على المتهمين، وتفتيش الأشخاص والمساكن وإجراءات التحقيق، وغيرها من الإجراءات الجنائية، على نحوٍ تفصيلي دقيق".
وأردف: "صدر كذلك نظام حمايةِ الطفلِ، الذي يهدف إلى مواجهةِ الإيذاءِ والإهمالِ الذي قد يتعرض لهما الطفل، ويؤسس لمنظومة حماية متكاملة لكل من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، كما تم إصدار القواعد التنفيذية لنظام الحماية من الإيذاء، في إطار مكافحة العنف الأسري".
وتابع "العيبان": "امتداداً لجهود حكومة المملكة العربية السعودية في دعم مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها بفاعلية، فقد صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –بدعم كافة مؤسسات المجتمع المدني المسجلة بمبلغ (ملياري ريال)، ودعم مجلس الجمعيات التعاونية بمبلغ (مائتي مليون ريال)، ودعم الجمعيات المهنية المتخصصة بمبلغ (عشرة ملايين ريال) لكل جمعية، بالإضافة إلى الدعم السخي للأندية الأدبية والأندية الرياضية".
من ناحية أخرى؛ قال "العيبان": "المملكة العربية السعودية قدمت تقاريرها الدورية ضمن اتفاقية مناهضة التعذيب للجنة المعنية، ويتم العمل في الوقت الحالي على إعداد التقارير الدورية الخاصة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري".
وحول التوصيات التي قدمت للمملكة في إطار تنفيذ توصيات آلية الاستعراض الدوري الشامل؛ قال: "تم تكليف الجهات الحكومية ذات العلاقة، بتنفيذ التوصيات التي أيدتها المملكة ضمن الجولة الثانية للاستعراض الدوري الشامل، وقد دخل معظم تلك التوصيات حيز التنفيذ".
وأضاف: "ترحيب المملكة العربية السعودية بطلب زيارة المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للرق وأسبابه وعواقبه، أورميلا بولا".
وشدد رئيس هيئة حقوق الإنسان على ما يشهده العالم اليوم من تصاعد وتيرة الإرهاب وتنامي جذوره؛ مؤكداً أنه خطرٌ قد حذَّرت منه المملكة، وعملت على التصدي له بجميع السبل، ودعت إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهته.
وأكد "العيبان" إدانة المملكة العربية السعودية للاعتداءات والجرائم الإرهابية الآثمة، كالاعتداء على مجلة شارلي آيبدو وما يرتكبه تنظيم داعش الإرهابي من جرائم إرهابية بشعة ومنها حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقتل مواطنين يابانيين، وقتل 21 مواطنا مصريا في ليبيا.
وقال: "هذه أمثلة على جرائم إرهابية تتنافى مع مبادئ الإسلام التي تدعو إلى العدل، وحماية النفس البشرية، والتسامح، وعمارة الأرض، وهو ما أكد عليه المؤتمر العالمي "الإسلام ومحاربة الإرهاب"؛ الذي استضافته المملكة الأسبوع الماضي في مكةالمكرمة؛ بدعوةٍ كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي أكد في كلمته الافتتاحية للمؤتمر على ضرورة التصدي للإرهاب ومحاربته، ودعم الجهود الدولية للقضاء عليه، وعلى ضرورة تصدي العلماء والمثقفين له ومواجهته فكرياً بكافة السبل والوسائل".
وشدد "العيبان" في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان أن أبشع انتهاكات حقوق الإنسان التي ما زالت قائمة في عالمنا اليوم هي تلك الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والمتمثلة في قتل المدنيين لاسيما النساء والأطفال، والاعتقالات التعسفية، وممارسة التعذيب، وهدم المنازل، والتمدد الاستيطاني، وتهويد القدس الشريف، وتجريد الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في تعدّ صارخ على قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وعلى مرأى من العالم أجمع.
وحول الوضع في سوريا؛ قال: "لا يزال المجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي أمام ما يتعرض له الشعب السوري من جرائم بشعة على يد النظام الفاقد لشرعيته والذي ما زال يشن هجماته الوحشية التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء؛ جلهم من الأطفال، والنساء، والشيوخ، مستخدماً في ذلك كل أنواع الأسلحة والعتاد، بما في ذلك الأسلحة المحرمة دولياً، فضلا عن تهجير الملايين من أبناء شعبه".
وأضاف: "عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف حاسم لوضع حدٍ لتلك الجرائم الوحشية التي يرتكبها هذا النظام ضد شعبه، هو السبب الرئيس وراء نشوء الجماعات الإرهابية المسلحة التي وجدت في سوريا بيئة خِصبة للإرهاب؛ مما فاقم مأساة الشعب السوري ومعاناته".