وقفت "سبق" على أسطورة جبل ناكعة شمال شرق منطقة جازان؛ لتكشف وترصد صور واقعها الذي تناقلته الأجيال جيلاً بعد آخر، وتواترت الأنباء حول أسطورته، فبين الطبيب المعالج والساحرة المشعوذة والصواعق الضاربة لصخرتها والحروب المزعومة والدماء والقمصان والمناديل، تدور رحى التفاصيل. بدأت رحلة "سبق" بتسلق الجبل الذي يصل طوله نحو 500 متر، ووقفت إلى جوار "ناكعة" في أعالي جبال يربط بين مركز الحقو التابع لمحافظة بيش ومحافظة هروب، خلال ثلاث جوّلات ميدانيّة انتهت بالوصول لأعلى القمة.
قصة "ناكعة" يحكي أحد كبار السن ل "سبق" ما سمعه من السابقين عن قصة "ناكعة" قائلاً: "في زمن قديم لم يستطيعوا تحديده بينما حدده البعض بأنه عصر المملكة الحميرية، جاء رجل من بلاد بعيدة يطلب العلاج لزوجته المريضة، ودلوه على قرية الباب حيث معالج يستطيع علاج زوجته وحين التقاه، قال للمعالج: "عالجها واطلب ما شئت"، فوافق على علاجها".
المعالج والساحرة والحرب وأضاف: "وجاء في قصة ناكعة أن المعالج أو الساحر، طلب الزواج من الزوجة المريضة ثمناً لعلاجه، فرفض الزوج ذلك وأخذ زوجته متوجهاً إلى حيث أتى؛ ليعود بجيش من قبيلته، يقال إنه قُدر بأكثر من مائة ناقة"، مشيراً إلى أنه يقال إن ناكعة كانت ساحرة تجلس فوق الجبل وتعرضت للصلب خلال الحرب".
وصدّق كبار السن بعض الآثار الباقية عن قرية سوق الباب التاريخية وتحديداً الفخار الذي لا يُعرف من أين وصل لسوق الباب في ذلك العهد، واعتبروه تأكيداً للأسطورة التي تقول إن الوادي جرى دماً، ومع استمرار أساطير ناكعة وروايتها تؤكد صور "سبق" أنها محض صنم نُحتت فيه ملامح عجوز وبها حلِيّ.
"ناكعة" صنم قديم! يفند البعض من المحيطين حقيقة قصة ناكعة من الأساس، ويقولون إنها مجرد صنم من العصور القديمة أو العصر الحميري، كما قيل، متوقعين أن القصة ليست إلا من تلك الأساطير التي كانت تروى عن الأصنام والأوثان في أزمان ما قبل الإسلام.
طلقات وبروق وبشر! واتجه فريق "سبق" لموقع ناكعة وتسلق الجبل الذي يزيد طوله عن 500 متر بعد محاولات وجولات ميدانية تكررت على مدى ثلاثة أيام متفرقة، يصل زمن الجولة لخمس ساعات وأكثر، حتى وصل لها وتم تصويرها برغم وعورة طريقها وعدم وجود طريق للسيارة، وتوجب السير وتسلق الجبال لساعات طوال حتى الوصول لها، ولكنها لم تكن سوى صخرة عند النظرة الأولى، حتى ظهرت ملامح قد تكون ل "بشر"، وآثار بروق منذ ذلك الزمن وحتى هذا الحين، حيث يتبين لمن يصلها أنها آثار طلقات رصاص.
قمصان ومناديل ودماء وقص ل "سبق" بعض مجاوريها أن صواعق البرق تستمر في صعقها منذ زمن بعيد، وجاء هذا طبقاً للرواية التي تقول إنها صلبت عقاباً لفتنتها وما زالت تصعق حتى هذا الزمن، واتضح لفريق "سبق" في موقع ناكعة وجود قمصان، ومناديل بها دم خفيف في مواقع محيطة بها، ووجودها في مواقع مثيرة للتساؤل، وعند سؤال عدد من السكان المجاورين اتضح أنهم يعتقدون أنها هناك ويزورها ضعاف النفوس والسحرة لعمل السحر والشعوذة.
جاذبة للصواعق ورصد فريق "سبق" خلال الجولة آثار الصواعق الرعدية التي تشهدها المنطقة وهي تضرب في رأس الجبل تحديداً في الصخرة المسماة ناكعة وحتى مسافات بعيدة في شهدان؛ حيث يعتقد البعض أن بالصخرة نوعاً من المعادن يجذب الصواعق لها كغيرها وهو ما يفند الأسطورة.
عمق تاريخي باق وتظل "ناكعة" أسطورة، لكنها عمق وتأصيل لعراقة جذور إنسان المكان والزمان، تراث تاريخي موروث شارف على الزوال، كغيرها من تلك الآثار القديمة التي اندثرت مع مرور الزمن وعوامل التعرية.