- رحلة مثيرة.. آلاف الكيلومترات يقطعونها عبر الحدود الجيبوتية ثم اليمن فالسعودية. - هستيريا وصراخ تُصيب النساء ثم يرمين أطفالهن بالبحر خوفاً من المستقبل! - الحياة القاسية تدفعهم لقارب يقلُّ نحو 60 رجلاً وطفلاً.. فتتناثر الجثث! - القروش تقفز ووتيرةُ المخاوف ترتفع والموج يعلو الركاب فتحل الكارثة. - عصابات التهريب تستغل المهاجرين وتأخذ أموالهم وتلقي بهم في المهالك. - الفالتون من قبضة رجال الأمن بجازان يشكّلون نظرة سلبية لدى السعوديين. - هاجس الخطر يتزايد خصوصاً من الخادمات الإثيوبيات فحوادث القتل لا تُنسى. - تدعيم مجهودات الجهات الأمنية الحدودية للحد من تسللهم.. ضرورة.
محمد المواسي- سبق- الرياض: تعوَّد الإثيوبيون المتسللون للسعودية عن طريق البحر الأحمر أن يشاهدوا أسماك القروش الفتاكة تقترب منهم؛ لتمزّق أطرافهم وهم أحياء، أو تفتك بجثث وأشلاء الغرقى من حولهم، واعتادوا رؤية المآسي الإنسانية عندما تقذف الأمهات بفلذات أكبادهن من فوق المراكب نحو "القروش" بداعي اليأس من أن يعيشوا، وتبريرات الخوف من المستقبل.
المشهد حاضر ومؤلم في كل محاولات تهريب الإثيوبيين إلى السعودية، أو نحو دول خليجية أخرى، ومئات الضحايا شهرياً يغرقون، وبعضهم يصلون مبتوري الأطراف ومعاقين نادمين، وفي هذه السطور ترصد "سبق" مآسيهم وتبحث عن إجابة السؤال الأهم: "ما الذي يدفعهم لهذه المغامرات غير المضمونة؟".
رحلة مثيرة تبدأ مسيرة آلاف الكيلومترات من إثيوبيا؛ حيث غالبية الشباب إثيوبيون وقليل من جنسيات أخرى تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، يخرجون عن طريق الحدود الجيبوتية وصولاً إلى "هايو" قرب البحر في جيبوتي؛ حيث ينتظر المئات يومياً مقاعد شاغرة في مراكب التهريب للجمهوريّة اليمنية، للوصول إلى شاطئ بالقرب من ميناء "المخا" في الجمهورية اليمنية؛ ليبدأ التنقل بالسيارات مع مخاطر ما يتعرضون له في حال قبضت عليهم السلطات اليمنية؛ لكونهم مخالفين لنظام الهجرة، حتى يصلوا لمدينة الحديدة، ومن ثم إلى حرض اليمنية ثم إلى السعودية.
أمهات يرمين أطفالهن حالة هستيرية تُصاب بها الإثيوبيات على متن قارب يقلُّ نحو 60 ما بين نساء ورجال وأطفال، ويعلو صُراخهن وبكاؤهن، ثم ترمي بعضُهنّ أطفالها في البحر تحت تبريرات الخوف من المستقبل، والحياة القاسية!
ويؤكد الإثيوبي "عبده" أنه خلال قدوم أحد أقاربه إلى السعودية بالطريقة نفسها شاهد منظراً مأساويّاً، عندما رمت إحدى المرافقات لهم طفلها المريض، خشية أن تموت غرقاً قبله، بعدما شاهدت جثث ضحايا القارب المنكوب قبل أيام، التي بلغت نحو 55 جثة، كانوا قد تعرضوا لأمواج مرتفعة، وانقلب بهم القارب في منتصف طريقهم من شواطئ جيبوتي باتجاه اليمن.
50 في فكّ قرش ويقول "عبده" ل"سبق": "قد لا يمر أسبوع كامل دون أن يتعرض أحد المراكب للغرق، ويروح ضحيته أكثر من 50 آدمياً، قليل منهم من يسلمون من القروش، والعشرات تجدهم أشلاء ممزقة على الشواطئ أو هياكل عظمية".
صوت الريح وتشنج النساء ويصف الإثيوبي "عبده" الرحلة على متن قارب صغير، يتزاحم فيه 60 راكباً من "هايو"، قائلاً: "عندما ننطلق من هايو في جيبوتي على متن قارب يُقلّ على الأقل 60 راكباً، أغلبهم من الجنسية ذاتها، تبدأ وتيرةُ المخاوف في التزايد كلما اقترب الموج من ركاب المركب، وكلما زاد صوت الرياح والبحر"، مضيفاً: "نمضي لحظات تسوء فيها الحالات النفسية، وتخرج النساء عن طورهن، ويبكين ويتشنّج بعضهن".
ويتابع: "في إحدى المرات كنت قادماً إلى السعودية، وكان البحر هادئاً جدّاً، والأجواء مطمئنة، لكن خروج القروش وقفزاتها بين حين وآخر كانت مصدر رعب للركاب، حتى اقتربنا من كبرى الجزر على طريقنا، وابتعدنا عن موقعها".
منظر الجثث ويواصل "عبده" سرد قصص المجازفة في البحر قائلاً: "ذات مرة مررنا بجزيرة كبيرة في البحر الأحمر للقادمين من جيبوتي، ولم نتوقف، لكن شاهدنا منظراً للجثث وهي مستقرة على شواطئ الجزيرة. وما أن وصلنا إلى "المخا" حتى سمعنا نبأ نقل الجثث عن طريق الجهات المختصة".
الانتهاكات والتهريب ويسرد متسلل إثيوبي آخر، يُدعى "عثمان"، جانباً من المعاناة التي تواجههم من عصابات التهريب؛ إذ تستغل المهاجرين الإثيوبيين، وتأخذ في الغالب أموالهم دون أن تحقق لهم سفراً آمناً إلى اليمن، وإذا تمّت الرحلات على متن قوارب، يحمل الواحد منها ما بين 60 و70 شخصاً، فإنهم يتعرضون لانتهاكات.
وقال "عثمان": "سافرت إلى السعودية، وكنا نشاهد حالات وفيات بين الأطفال من جراء التدافع داخل القارب الصغير، وتشاهد الأمهات وهنّ يرمين أبناءهن في عمق البحار، بعدما يئسن من إنقاذهم".
ماذا تريدون من الخليج؟ وبسؤاله: ماذا تريدون من الخليج؟ قال: "أخاطر بحياتي من أجل عيش كريم لي ولأسرتي التي تعاني الخصاصة"، مضيفاً أن السلطات السعودية رحّلته ومئات الإثيوبيين من مدن سعودية، لكن المرحّلين يحاولون باستمرار العودة؛ بسبب ندرة فرص العمل في بلادهم، وانتشار الفقر، وبمحاولات عودتهم إما يقعون في قبضة رجال الأمن، أو ضحايا الغرق وطعام القروش.
الإثيوبيون بالمجتمع السعودي ولا يزال الإثيوبيون يشكلون هاجس الخطر لدى السعوديين، وخصوصاً الخادمات الإثيوبيات؛ لما قد شهدته السعودية من حوادث قتل، تسببت فيها خادمات، منهن إثيوبيات، ولا يزال المجتمع السعودي تحت ضغط الشائعات من الإثيوبيين؛ حيث كانت آخر تلك الشائعات هجوم جماعة إثيوبية على قرية نورة في محافظة بيش بأسلحة، وسط مواجهات مع رجال الأمن، في الوقت الذي نفى فيه مصدر أمنيّ ل"سبق" ذلك.
نظرة سلبية وتشهد جبال منطقة جازان الحدودية مع جمهورية اليمن مرور الإثيوبيين، وهم الفالتون من قبضة رجال الأمن بمنطقة جازان، على الشريط الحدودي أو داخل القرى، وتشكّلت لدى السعوديين نظرة سلبية تجاه الجالية الإثيوبية؛ ذلك لجرائم قتل وتهريب وترويج مخدرات يقومون بها في السعودية.
الجهود الأمنية وأخيراً.. فما يتعرض له "بعض" الإثيوبيين في طريق الوصول تجاه السعودية يؤكد مقدرتهم على مواجهة الصعاب والتحصينات في البلدان الخليجية؛ الأمر الذي يستوجب تدعيم مجهودات تقوم بها الجهات الأمنية بامتداد الشريط الحدودي للحدّ من عمليات تسللهم.