واصل برنامج "همومنا" عبر التلفزيون السعودي أمس لقاءه التاسع مع الدكتور عبدالعزيز الحميدي لتأصيل مفهوم الجهاد وكيف أن هناك من يوظف النص الشرعي لإحداث الفرقة والخلاف. وتطرقت حلقة أمس من البرنامج إلى قضية توظيف النص الشرعي لإحداث الفرقة والخلاف، وقضية الغلو التي تحدث الشرخ داخل الجماعة المسلمة فتقسمه إلى قسمين فتجعل جزءا من أفراده شوكة في خاصرة الجزء الآخر تضعفه وتتعبه، مبينا أن ذلك مبني دائما على سوء الظن والضغينة التي تتحول إلى أحقاد وضغائن تحمل عليها القضايا الشرعية والقضايا الدينية والعاطفة الدينية وتكون بالتالي خطيرة في نتائجها صعبة في علاجها إلى حد كبير ينبني عليها إحداث الفرقة والخلاف والشر العظيم الذي يسهل على المتدثرين بهذه الظاهرة ربما لدرجة القتل وإراقة الدم بتوظيف القضية الشرعية والنص الشرعي وهذا أخطر ما يمكن. وأكد الحميدي أن أخطر ما يكمن في ظاهرة الغلو "إن لها دعاة يدعون لها بصور كثيرة وبأشكال كثيرة"، وأضاف "من المقاصد الشرعية أن نكون أمة واحدة وكل الخطابات التي في القرآن جاءت بخطاب الجماعة "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، فإذا دخلت هذه الظاهرة أساءت الظن عند عموم الناس في القضايا الشرعية والدينية كما هو ظاهر اليوم، يصبح التدين وأي مظاهر للتدين باعثا للخوف عند الناس لأنهم يتوقعون من ورائها تطرفا"، وزاد "دعاة هذه النحلة ومذاهب الغلو هم لا يعمدون إلى الشخص الذي عنده نوع من التفريط في دينه مثلا أو نوع من التساهل في الأحكام الشرعية، إنما يعمدون للشخص الذي فيه بوادر الخير وفيه مظاهر التدين وعنده العاطفة الدينية طيبة فيستغلون فيه هذا المسلك بتوظيف الغيرة الدينية فيتحول إلى متجهم متقطب سيئ الظن في الناس فيتحول إلى عنصر هدم فيشغل نفسه ويحمل هذا كله على المجتمع فيصبح داء وأي داء يصيب أي جسم مهما كان إذا ترك سيفسده ويتعبه، فكيف إذا كان داء بهذا المستوى في توظيف القضية الشرعية الدينية وتوظيف كلام العلماء السابقين وتوظيف كثير من العواطف الشرعية الدينية إلى أهواء هي وضغائن تحمل لبوس الأمر الديني وهذا هو وجه الخطورة في ظاهرة الغلو". وبين الشيخ الحميدي أن وجه الخطورة أننا تعودنا أن يوجه الغزو إلينا باسم الشهوات مثلا، باسم الأهواء، باسم الفكر الغربي، باسم النظريات الغربية، فصار عند المسلمين في نواح كثيرة حساسية من هذا الفكر الغربي وأصوله ونتائجه غريبة تماما عن الفكر الإسلامي وقواعده وأصوله. وقال: "إن كان الغزو الفكري أثر في فترات لكن سهل وميسور رده ودفعه، لكن عندما يأتي الأمر من داخل الأمة، فهذه قضية مهمة جدا، فإذا جئنا إلى مذهب الغلو عند الخوارج القدماء نجده نشأ من داخل الأمة بتوظيف النص الشرعي، ولذلك كان خطر"، وأضاف "ثبت في الأحاديث عن رسول الله التحذير من بدعة الخوارج، كما قال شيخ الإسلام وكما قال الإمام أحمد قبله من عشرة أوجه في عشرة أحاديث، استوعبها الإمام مسلم كلها في الصحيح وأخرج الإمام البخاري منها أربعة أو خمسة أحاديث، وذكر العلماء هذا الملحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه إلى هذه البدعة لأجل أنها من داخل الأمة تنشأ، ليس لها مظهر وافد غربي نصراني يهودي مجوسي كمذاهب الباطنية وغيرها ». وتحدث الشيخ الحميدي عن رسالة منتشرة في بعض الأوساط الشبابية وهي بعنوان «معالم الطائفة المنصورة في عقر دار المؤمنين" فقال: "هذه الرسالة متشنجة من أولها إلى آخرها فيها تشنج شديد تقف خلفها نفسية متأزمة بشدة تريد أن تظهر هذه الأزمة النفسية باسم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأمة التي ضاعت وارتدت، ولذلك هو سلك مسلك التكفير بالعموم دون استثناءات وألغى جميع ضوابط التكفير، يكفر بمطلق الفعل الذي يتصور هو و ليس النص الشرعي الحقيقي. إنه ردة وكفر دون إعذار لا بإكراه ولا بتأويل ولا بفهم ولا باستيعاب، وهذا من أخطر ما يمكن وأشده غلوا، بل لاحظت أن في هذه الرسالة مظهرا غاليا جدا يكاد يفوق حتى كثير من طوائف الخوارج القدماء وما رأيت تكفيرا بهذا العموم دون أي استثناء مثل ما في هذه الرسالة». وأضاف "أنها صغيرة وعديمة المنهجية أصلا لا توجد فيها منهجية علمية، كنت أتوقع استعراض واسع للآيات القرآنية وتفاسيرها، واستعراض أوسع للأحاديث النبوية فأعددت نفسي لدراسة واسعة، فإذا بكاتب هذه الرسالة يكفر بها جميع المجتمعات المسلمة وجميع خطباء الجمع وجميع المشايخ وجميع القضاة وجميع الحكام وكل من رضي بهم ثم لا تجد فيها إلا آيتين أو ثلاثا وأيضا بعضها محرف»، وزاد "الرسالة دلالة على جهل عظيم وجرأة، وجرأة من أعظم ما يمكن ليس علي ولا عليك ولا على المجتمع وإنما على الله سبحانه وتعالى ، على آيات تنقل من المصحف الشريف نقلا محرفا يحذف منها كلمات الله أعلم د بحسن نية أم بجهل وهذا علمه عند الله، لكن يعني أنا وأنت قد نعذر شخصا يقرأ القرآن فيخطئ، هذا قد يرد، لكن عندما تؤلف لتؤسس لمسألة بهذا الحجم الخطير العظيم وتدعو للقتال بكل جرأة وبإلغاء كل ضوابط الجهاد ثم الآية أو الآيتان أو الثلاث التي تنقلها فيها تحريف كثير، هذا من أغرب ما يمكن أن أتوقع"». ونبه الشيخ الحميدي الشباب قائلا: "قد يتلقى كثير من الشباب هذه الرسالة من الإنترنت أو من صديق، ولا يكلف نفسه وربما تمر عليه ولا يفتح صحيح البخاري، ويهيج بها حماسه ويقع في أعظم المؤاخذات وأخطرها وأشدها وربما يرتكب حماقات أعظم، من قتل ونحوه ". وأضاف "أن كاتب هذه الرسالة لا يعرف صحيح البخاري".