واصل برنامج «همومنا» عبر التلفزيون السعودي أمس، لقاءه مع الدكتور عبدالعزيز الحميدي لتأصيل مفهوم الجهاد، وكيف أن هناك من يوظّف النص الشرعي لإحداث الفرقة والخلاف. فبعد أن أوضح الدكتور الحميدي في حلقات سابقة، بعض الحقائق عن كتب رموز التنظيمات من الشباب، الذين وضعوا كتباً اعتمدوا فيها على النقولات غير المنهجية وأساءوا إلى النص الشرعي، فأوردوا أنفسهم ومن تبعهم إلى المهالك، قال في حلقة أمس إن من الحقائق الجديدة قيام بعض المتطرفين بتوظيف النص الشرعي، بهدف إحداث الفرقة والخلاف، وإيجاد شرخ داخل المجتمع المسلم، لينقسم على نفسه ويصبح جزءاً من أفراده شوكة في خاصرة الجزء الآخر. وأوضح الدكتور الحميدي أن خوارج العصر الحديث أحدثوا جرحاً خطراً جداً في الأمة يخبو وينكأ من جديد، فتحولت جميع جهود الدعوة كرسالة للإسلام حتى من أيام الخلفاء الراشدين بدل ما يتوجه لغير المسلمين. ويضيف الحميدي أن ظاهرة الغلو قديمة جديدة كما عانت منها الأمة قديماً وتعاني منها حديثاً وأخطر ما فيها أنها من جهتين، الأولى توظيف مقومات الدين، مقومات النص الشرعي، استغلال مكامن التدين والعاطفة الدينية لدى الناس وتوجيهها لتصبح سيئة الظن منعزلة. والجهة الثانية في قضية الغلو، وتعني إحداث الشرخ داخل الجماعة المسلمة، أي مجتمع مسلم إذا دخلت فيه هذه الظاهرة انقسم على نفسه، وأصبح جزءاً من أفراده شوكة في خاصرة الجزء الآخر تضعفه وتتعبه، لأنه مبني دائماً على سوء الظن والضغينة التي تتحول إلى أحقاد وضغائن تحمل عليها القضايا الشرعية والقضايا الدينية والعاطفة الدينية، وتكون بالتالي خطرة في نتائجها صعبة في علاجها إلى حدٍ كبير ينبني عليها إحداث الفرقة والخلاف والشر العظيم الذي يسهل على المتدثرين بهذه الظاهرة ربما لدرجة القتل وإراقة الدم بتوظيف القضية الشرعية والنص الشرعي وهذا أخطر ما يمكن. وبيّن الحميدي «فإذا دخلت هذه الظاهرة أولاً أساءت الظن عند عموم الناس في القضايا الشرعية والدينية كما هو ظاهر اليوم، فيصبح التدين وأي مظاهر للتدين مخوفة عند الناس لأن يتوقعون من ورائها تطرفاً أو غلواً وتكفيراً، فتصبح القضية الشرعية بسوء سلوك طائفة من الغلاة متهمة في ذاتها أو مخوفة يخافها الناس ويتقون، خشيةً أن تكون تفرز عن هذا الداء العظيم والخطر الكبير». وبسبب فتنة الخوارج، تحوّلت جميع جهود الدعوة لتصحيح هذا المرض الداخلي وحتى السيوف المجاهدة والفتوحات ونشر الإسلام توقفت أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما بعده بقليل لما ظهرت قضايا من هذا القبيل، وهي تظهر بتشكيلات كثيرة وبأسماء كثيرة والزمن الحاضر أيضاً أحد مظاهرها التي اشغلت الأمة وأرجعت سيوفها إلى نحور أبنائها. وبيّن الدكتور عبدالعزيز الحميدي الضلال وعدم الوعي العلمي عند المكنى «أبو قتادة» كاتب رسالة «الطائفة المنصورة في عقر دار المؤمنين»، مبيناً أنها رسالة يكفر بها واضعها جميع مجتمعات المسلمين وجميع خطباء الجمع وجميع المشايخ وجميع القضاة وجميع الحكام. ويكشف الحميدي أيضاً أن الرسالة كتبت بلغة متشنجة من أولها إلى آخرها، وتقف خلفها نفسية متأزمة بشدة تريد أن تظهر هذه الأزمة النفسية باسم إنقاذ الأمة، والأخطر أن واضعها سلك مسلك التكفير. وبالعموم ومن دون استثناءات ألغى جميع ضوابط التكفير وهو في منهجه يكاد يتفوق حتى على كثير من طوائف الخوارج القدماء. وتعجب الدكتور الحميدي من جرأة واضعها وكيف أباح لنفسه في رسالة صغيرة وعديمة المنهجية تكفير مجتمعات المسلمين وجميع خطباء الجمع وجميع المشايخ وجميع القضاة وجميع الحكام. ثم يكشف الدكتور الحميدي منحى خطراً في هذه الرسالة وكيف تجرأ واضعها على الله، ونقل آيات من المصحف الشريف نقلاً محرفاً يحذف منها ولا يحترم النص القرآني. وتعجب الدكتور الحميدي من منهج هؤلاء في الاستدلال بأحاديث ضعيفة وأخرى ضعيفة جداً لتأصيل التكفير وترك الكم الهائل من النصوص الشرعية، مشدداً على أنه في مثل هذه القضايا التي يترتب عليها تكفير وقتال وحرب لم يتركها الشارع مائعة هكذا أو ذائبة أو خاضعة للهوى والتأويل الفاسد. ومما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور الحميدي نقد في حلقة سابقة «المقدسي» صاحب منشورات التكفير على الانترنت، ما دفع بالأخير إلى الرد برسالة مطولة على الحميدي ملأها بالشتم والتشنج والانتقاص منه، ما جعل محللين يفسرون ذلك بقوة حجج الدكتور الحميدي ووقعها الشديد على المقدسي وأنصاره من المتطرفين.