هم من يجوبون البحر، ويخوضون معاركه المخيفة.. تجاربهم معه ذكريات لا تنسى، وحياة من الماضي أصبحت للحاضر قصصاً تُروى رغم مُضي زمن من الدهر عليها.. عشقوا كل شيء فيه، حتى غدره، فأصبح هو المحب لهم، والمتشوق لأصواتهم ونبراتهم ومجاديفهم وشباكهم.. يتجهون إليه لإسعاد ذويهم، يتجهون إليه في أوقات وهم على يقين أنهم من المحتمل ألا يعودوا إلى ذويهم لمعرفتهم بغدره ومخاطره المتوالية، ومما سمعوه ممن سبقوهم من أصحاب الخبرة، الذين يقدمون لهم الدروس المجانية عما عانوه سابقاً في خلجات البحر وبين أمواجه المتلاطمة.. فمنهم من يرى أن همومه تذهب مع ملوحة ذلك البحر، ومنهم من أصبح عشقه الأكبر. " سبق" التقت عدداً من قدامى صيادي الأسماك بمركز عمق التابع لمحافظة البرك بمنطقة عسير حيث بساطة المكان، وجَمال القصص البحرية القديمة.
في البداية يسرد العم محمد علي يوسف الجعفري ل"سبق"، الذي يعتبر من قدامى الصيادين في مركز عمق، ويبلغ من العمر 85 سنة، أحد المواقف التي تعرض لها أثناء ممارسته الصيد داخل البحر، الذي امتهنه منذ نحو 50 عاماً، وعرف عن إسراره الكثير كما ذكر. وقال العم محمد: "ذات ليلة هاجمني أحد أسماك القرش، وكنت أبعد مسافة كبيرة جداً عن الشاطئ؛ وكنت موقف صعب، وحاولت الخلاص منه دون جدوى، فكنت بين خيارين، إما التضحية بالشبك الذي أقتات منه، أو أن أصبح ضحية لهذا القرش. وبينما أنا أعيش بين القلق والتفكير قررتُ الخلاص منه بإحدى (الغروسيات) التي كانت بجانبي، ورميتها عليه بكل ما أملك من قوة، فلم أعد أسمع له حساً. وعند بزوغ ساعات الفجر الأولى اتضح أنه فارق الحياة، وكان كبيراً جداً.
كما التقت "سبق" العم حسن محمد مسفر، الذي قال: إن البحر كان فيه الخير قبل مجيء العمالة الوافدة. ويرى من وجهة نظره أن العمالة الوافدة أخذوا الكثير منه، ويقومون ببيعه في كل من مدينة جدة ومدينة جازان.
وأضاف العم حسن بأنهم قديما كانوا يتجهون إلى البحر جماعات، وكل شخصين على قارب واحد، ويعتمدون على النجوم في تحديد المواقع. بعدها صمت قليلاً، وقال: كان البحر قديماً أجمل من الوقت الحالي، وقد عملت فيه قرابة ال 60 سنة، وفيه من الذكريات والأيام الجميلة التي من الصعب نسيانها.
بعد ذلك اتجهت "سبق" إلى المطاعم الشعبية التي يرتادها العشرات يومياً من عابري الطريق الدولي السريع جدةجازان، التي تتميز بالمذاق الشعبي، وتقوم بإعداد وطهي الأسماك الطازجة في التنور، ويضاف معها الدقيق والخمير وبعض الإدامات الشهية والقديمة.
وذكر ل"سبق" أحد مرتادي تلك المطاعم، ويدعى أنور عسيري، أنه قادم من محافظة محايل عسير هو وعدد من أصدقائه خصيصاً لهذه الأكلات الشعبية، بالرغم من بُعد المسافة، التي ربما تزيد على 120 كم، إلا أنها لم تكن عائقاً للاستمتاع بتلك الأكلات الشعبية. ويقول خالد الزهراني إنه من سكان منطقة الباحة، التي تبعد عن مركز عمق قرابة ال 300 كم، إلا أنه يتردد على تلك المطاعم الشعبية كل أسبوعين أو ثلاثة.
هذا، ويلاحَظ أن الإقبال على هذه المطاعم الشعبية يزداد بين الحين والآخر، وخصوصاً في فترة الشتاء، ومن القادمين من المناطق الباردة، سواء من مدينة أبها بمنطقة عسير أو من منطقة الباحة؛ وذلك للاستمتاع بدفء الشواطئ على امتداد سواحل عسير. كما يزداد الإقبال عليها في فترة الإجازات الصيفية وإجازات الأعياد.