أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، أن النفوس تشتاق إلى الطمأنينة والسكينة، في ظل ما يُحدق بالأمة من فتن وتحديات، وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إن المولى عز وجل اختص بلاد الحرمين بفضائل جليلة وخصائص كريمة، وفيها أول بيت وُضِع في الأرض لعبادته، وهي رمز التوحيد والوحدة والشعائر والمشاعر والأمن والأمان، وجعل الصلاة في البيت الحرام مضاعفة على غيره من المساجد، وجعل الكعبة قِبلة للمسلمين جميعاً أحياء وأمواتاً، كما أنه سبحانه وتعالى استجاب لدعوة خليلة إبراهيم أن يجعل مكة بلد الاستقرار والاطمئنان والتوحيد الخالص والإيمان؛ لافتاً النظر إلى أن هذه البلاد المباركة تعيش -ولله الحمد- في أمن واطمئنان؛ برغم ما يحدث في هذا العصر من احتراب وتطاحن واضطراب وعنف وإرهاب ووحشية وإبادة عرقية. وأضاف: "الحج عبادة من أعظم العبادات، له من الشروط والأركان والواجبات ما يجب على كل مَن أَمّ هذا البيت أن يعلمها ليعمل بها؛ فيقبل حجه"؛ موضحاً أن للحج مقاصد ومنافع وحِكَماً وآداباً ينبغي لكل حاج أن يستشعرها؛ ليحصل له بر الحج، ويعود بشيء من منافعه وآثاره.
وبيّن أن من أهم المقاصد والغايات وأعظم الحكم والواجبات، أن يكون الحج منطلقاً لتحقيق التوحيد الخالص لله وحده، لا مجال فيه للشعارات الحزبية أو التجمعات الطائفية أو الاستقطابات السياسية؛ بل فيه براءة من كل مبدأ يخالف نهج الكتاب والسنة، ومن كل عقيدة لم يكن عليها سلف هذه الأمة، وقال: إنه "آن لنا معاشر المسلمين أن نأخذ من هذا التجمع الإسلامي الدروس والعبر، في الوحدة، والتضامن، والبعد عن الفُرقة، والتعصب، والتشاحن، والتحزب، وتجاهل الإشاعات، والتصدي للمقولات الكاذبة؛ لتكون الانطلاقة لحل مشكلات الأمة المتأزمة ضعفاً وانقساماً، فُرقة واختلافاً من هذا المكان المباركة مهبط الوحي ومنبع الرسالة، الذي انطلقت منه عقيدة التوحيد ودعوة الإسلام ورسالة الخير والسلام؛ لتعم الأصقاع؛ وبذلك تتحقق أكبر منافع الحج؛ حيث الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فهما أكبر مِنة، والتحلي بالوسطية والاعتدال، وتعزيز الأمن بكل صوره وأشكاله، ونشر المحبة والتسامح والمودة والرحمة والأخوة؛ بعيداً عن الغلو والتشدد والإيذاء والمزاحمة، والحقد والكراهية".
ومضى الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس يقول: "إنه مِن هنا تعظم مسؤولية القادة والعلماء في تحقيق هذه المنافع العظيمة؛ ولا سيما في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد كلمة أبناء الأمة للانتصار لقضايا أمتنا الإسلامية؛ لا سيما قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وكذا بلاد الشام والرافدين، وانتشالها من أوحال الظلم والفساد والإرهاب".
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام، أن الحج عبادة شرعية وقِيَم حضارية ليس مكاناً للمظاهرات أو المسيرات والتجمعات، أو المناظرات أو المساجلات، أو الجدال والملاسنات؛ بل ترتيل ودعاء وذِكر ونداء وخشوع ورجاء وابتهال.
وطالَبَ حجاج بيت الله الحرام أن يشكروا الله على ما مَنّ به عليهم من الوصول إلى هذه البقاع الشريفة، وأن ينعموا بعباداتهم في الأجواء الإيمانية الكاملة والراحة والاستقرار، التي وفّرَتها لهم قيادة هذه البلاد المباركة، والتي حرصت على تقديم العناية الكاملة للحرمين الشريفين لينعم قاصديهما بالراحة والأمن والأمان والاستقرار؛ لافتاً النظر إلى أن على الأمة الإسلامية أن تكون مدركة وواعية لحملات استهدافها من وسائل إعلام معادية ودعاة الفتنة، التي تتهم هذه التوسعات المباركة بهدم الآثار الإسلامية، أو تشنشن حول نقل قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلها مزاعم وافتراءات وشائعات واختلاقات، لا يصغي لها من له أدنى أثارة من علم أو مسكة من عقل، وليطمئن المسلمون جميعاً إلى أن سنة الله وآياته الكونية والشرعية مضت وقضت بحفظ بيته الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم وحجراته الشريفة.