أعوام تمضي من أعمار التوحديين بالسعودية وهم يعانون إهمال جميع المؤسسات التي ينتظر الجميع منها أن تؤدي دوراً يُسهم في تخفيف معاناة ضحايا وأسر التوحد. فمن مستشفيات غير مؤهلة بشكل جيد، وأطباء ذوي كفاءات ضئيلة في تشخيص التوحد، إلى مراكز أهلية تستنزف الأموال بالباطل.. فمن أجل التوحدي ضغطت الأسر على أنفسهم رغم قلة المادة، وأدخلوا أبناءهم هذه المراكز التي ينقصها الكادر التعليمي الكفء الذي يرجح المصلحة المادية فوق حاجة ومصلحة "التوحدي". ضحايا مرض "التوحد" بالسعودية زادت معاناتهم مع تخبط إدارات التربية والتعليم.. فكم تعشم الأهالي بفتح روضات حكومية، تشمل الكل من دون استثناء، لكن فوجئت الأسر بشروط تعجيزية لقبول أبنائها.
تقول والدة أحد الأطفال التوحديين بالطائف، وهي "معلمة": سجلت لابني منذ ما يقارب السنتين، وللآن لم يُقبل بالروضة، واشترطوا عليّ توفير "دادة" أو خادمة تأتي مع الطفل، وتدريب ابني على استخدام دورات المياه بنفسه، وكذلك توفير مواصلات له.. وقبلت من أجل مصلحته، ومع ذلك لم يتم قبوله، ولا أعرف لماذا تم قبول أطفال أكبر وأصغر سناً منه وتم استثناء الكثير من التوحديين، وهو من ضمنهم. وقالت: وعدونا بافتتاح روضة في معهد الصم والبكم سابقاً، ونحن ننتظر، وحين استفسرنا عن موعد افتتاحها فوجئنا بعدم موافقة مدير التعليم على المبنى.
وأضافت: غضب كبير يحمله أهالي الطائف نحو الإهمال وبطء الإجراءات.. فمن يده في الماء ليس كمن يحترق ويكتوي بنار المعاناة يومياً، لا أحد يشعر بحجم تعبنا. مر عامان من الوعود وما زالوا يتخبطون. نريد سرعة في البحث والتجهيز، ونريد قبول أطفالنا دون شروط؛ إذ إن الدولة كفلت لأبنائنا حق العيش بكرامة، والتعلم من دون محاباة.. وليست من مسؤولياتي أن أوفر لابني خادمة أو أعلمه الاعتماد على نفسه رغم مرضه، والدولة وفرت خدمة مواصلات لذوي الاحتياجات الخاصة، فأين تذهب هذه الأموال ما دام أبناؤنا المرضى لم يستفيدوا منها؟
أمهات أخريات عبَّرن عن الإهمال الذي يطول أبناءهن التوحديين، وأنهن يطالبن بفتح مراكز ليستفدن منها، وينشرن برامج تهدف لتعليم أطفالهن وتعديل سلوكهم، كذلك توفير احتياجاتهن كافة، من دون الاعتماد على الدورات التي لا تجلب الحلول لهن في مواجهة تحديات ذلك المرض.
وناشدن وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل بقولهن: أبناؤنا المرضى أمانة في أعناقكم. أمانينا بين وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة.. وكل وزارة تركل أبناءنا نحو الأخرى بلا رحمة أو ضمير، والمكافآت التي تصرف لذوي الاحتياجات الخاصة أقل بكثير من احتياجاتهم الفعلية، فهل أنتم على علم باحتياجاتهم أكثر منا حين قررتم كم يستحقون وكم يصرف لهم؟!
وأضفن بقولهن: نحن نطالبكم بأن تؤدوا دوركم الذي ائتمنكم الله عليه، فأطفالنا شهداء عليكم يوم لا ينفع مال ولا بنون، فانظروا ماذا أنتم صانعون.. ونحن لا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل في كل مقصّر ومفرّط في حقوقنا وحقوق أبنائنا المرضى.
وبعثت عبر "سبق" أمهات أطفال التوحد نداء لخادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - وكل مسؤول عنهم في الدولة بالنظر إلى التوحد في جميع المناطق، خاصة في الطائف، نظراً لما يرونه من تسيب وإهمال، وأنهن على أتم استعداد بمواجهة من يشكك بكلامهن أو يختلق لنفسه الأعذار والمبررات. وقلن: لقد طفح الكيل، وسنواجه المهمل لإظهار الحقيقة من أجل مصلحة الأبناء الضائعين.