كشف الخبير في الشؤون الإستراتيجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عضو منتدى الفكر العربي اللواء الركن الدكتور علي هلهول الرويلي، في حديثٍ خاص ل "سبق"، أن المملكة العربية السعودية، اعتمدت إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تضافرت بها جميع جهود مؤسسات الحكومة الأمنية والمجتمعية، على الرغم من تعرضها ومعاناتها كثيراً من العمليات الإرهابية، التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء من مواطنين ومقيمين من مدنيين وعسكريين. وبيّن أن الضربات الاستباقية أحبطت عديداً من العمليات الإرهابية، كما أشار إلى أن داعش، من المنظمات التي تنشأ وتتطور عندما تضعف الدول وتجد البيئة المناسبة للعيش والحياة، بحيث تختفي هذه المنظمات عندما تتعافى الدول.
وقال "اللواء الركن الرويلي": لقد تعرضت المملكة العربية السعودية للأعمال الإرهابية وعانت منها كثيراً منذ عام 1416 ه حتى عامنا هذا، وبلغت تقريباً 99 عملية إرهابية أدت بحياة العشرات من الأبرياء من مواطنين ومقيمين من مدنيين وعسكريين ومئات الجرحى، ولقد بلغ ذروة الهجمات الإرهابية مابين عام 1423 ه إلى عام 1426ه، استهدف بها أمن المواطن ومكتسباته.
مخطط إرهابي وأضاف: حينها وجدت المملكة العربية السعودية نفسها أمام مخطط إرهابي كبير يهدد الأمن الوطني السعودي الشامل، وأدركت أنها من أكثر الدول تعرضاً للإرهاب، ولهذا اعتمدت المملكة إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تضافرت بها جميع جهود مؤسسات الحكومة الأمنية والمجتمعية، فأنشأت إستراتيجية ناجحة وفعالة وتصدت للإرهاب، حيث قامت المؤسسات الأمنية بانتهاج إستراتيجية الضربات الاستباقية محبطة أكثر من 85 عملية إرهابية في مهدها، أدت إلى إرباك عناصر حملة الفكر الضال وهروب معظمهم خارج البلاد، وتمكنت من إحصائهم ووضعهم في قوائم المطلوبين للعدالة.
وأشار إلى أن من تم القبض عليهم قدموا للمحاكمة ونالوا الأحكام المناسبة والعادلة، ويتم تتبع الفارين الذين قام بعض منهم بتسليم نفسه إلى سفارات المملكة في الخارج، مما يدل على نجاح هذه الإستراتجية الأمنية في وأد الإرهاب في معاقله، ولم تكن أيضاً هذه الإستراتيجية الأمنية الوحيدة المعنية في ذلك، بل هناك إستراتيجية المواجهة الفكرية والمناصحة، وهي استراتيجيه خطط لها الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- وزير الداخلية آنذاك، حيث قال "لا يمكن أن يواجه الفكر إلا بفكر"، ورعى هذه الإستراتيجية ونفذها الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية.
الحوار الفكري وتابع: تقوم هذه الإستراتيجية على الحوار الفكري والمناصحة، وصولاً إلى الوسطية والاعتدال ونبذ الفكر المتشدد والضال، وانتهجت في هذا السياق إستراتيجية اقتصادية واجتماعية لتجفيف منابع الإرهاب عن طريق مراقبة التمويل وحركة الحسابات المشبوهة وغسيل الأموال والتحويلات المالية داخل وخارج المملكة، وضبط التبرعات الخيرية وتأمين حدود المملكة من التسلل والتهريب، كما نجح علماء المملكة في إيضاح فكر هذه الفئة الضالة والتي تروجه لتبرير أعمالها الإجرامية، أو لكسب التعاطف معها مما جعل جميع أفراد الشعب السعودي ينبذ هذه الأعمال الإرهابية ومن يقومون باقترافها، باعتبار أنها مهدده لسلامة واستقرار الوطن والمواطن.
وبين "اللواء الركن الرويلي"، أنه على المستوى الدولي وقعت المملكة الكثير من الاتفاقيات لتحقيق التعاون الدولي في مجابهة الإرهاب والقضاء عليه، فهناك اتفاقيات إقليمية ثنائية مع دول عربية شقيقة ودول إسلامية ودول صديقة، ومن أبرزها المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي عقد بالرياض في عامي 1425ه و 1434ه، حيث تم التأكيد من خلال هذه المؤتمرات على محاربة الإرهاب بكل أشكاله باعتباره أخطر ما يهدد الأمن والسلام العالميين.
دين التعايش وأشار إلى أنه لم يفت على المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- من إبراز الإسلام كدين للإنسانية جمعاء، يحقق التعايش السلمي بين جميع اتباع الرسالات الإلهية الثلاث، في إطار المشتركات الإنسانية بينهم، ولتبرئة الإسلام مما يلصق به من أعدائه، وتبرأت ساحة المسلمين من أن الإرهاب ليس له دين ولا هوية، وكل هذا تم في مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان السماوية والذي رعاه -يحفظه الله- عام 1428 ه.
وقال: عندها أصبحت تجربة المملكة في محاربة الإرهاب من الخبرات الدولية العظيمة التي تسعى دول العالم بالاستفادة منها والتي لاقت استحساناً وإعجاباً لدى المجتمع الدولي.
اختفاء "داعش" وأوضح اللواء الركن الرويلي، أن نشأة داعش الأولى كانت في العراق لمحاربة الجيوش الأجنبية، بعد سقوط النظام العراقي السابق، وكان اسمها آنذاك الدولة الإسلامية في العراق، وكانت تدعم من قبل النظام السوري، وتشمل عناصر من جميع الدول العربية، ثم أضافت لنفسها مهمة القتال ضد النظام السوري نفسه وسمت نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتضاربت فيها التقارير والأقوال.
وأكد أن هذه المنظمة وغيرها من المنظمات الثورية القتالية تنشأ وتنمو وتتطور عندما تضعف الدول والأنظمة، وتشكل لها بيئة مناسبة للحياة، حيث نشأت في أوروبا إبان الحربين العالمية الأولى والثانية، الكثير من المنظمات أمثال منظمة "بدر ماينهوف" في ألمانيا، والجيش الأحمر الايرلندي في بريطانيا، وعصابات المافيا الايطالية، والدليل على ذلك أيضاً أن الفصائل القتالية في سوريا الآن 23 فصيلاً قتالياً، إضافة إلى الجيش الحر.
واختتم اللواء الركن الرويلي، حديثه ل "سبق"، أن ما يمكن تأكيده، هو أن حياة هذه الفصائل قصيرة، فبمجرد أن تتعافى هذه الدول ويعود إليها الاستقرار والأمن، سوف تتلاشى تلك الفصائل، وربما تتحول إلى منظمات للجريمة المنظمة تمارس التهريب والسطو المسلح وتجارة المخدرات وغسل الأموال والتجارة بالبشر.