اختُتمت مساء أمس فعاليات اليوم الثالث من النشاط الثقافي المصاحب لفعاليات المهرجان الوطني الجنادرية بندوة "التحولات السياسية في الوطن العربي.. رؤية من الداخل"، التي أشار فيها الدكتور محمود جبريل إلى أن "الربيع العربي لا يفهم إلا من خلال مسارين متوازيين، ربطت بينهما المصادفة، هما التطور التاريخي والاجتماعي للمنطقة". وذكر متحدثون أن "محمد بوعزيزي" لم يعرف الديمقراطية، ولم تكن بباله واشنطن. ففي عام 1987 حدث منعطف خطير في العلاقات الدولية، تجلت عنه ما يعرف بالعولمة التي بدأت تطغى بقيم جديدة تسيطر على مشاهد في الشوارع العربية والإسلامية، إضافة إلى بدء ظهور قيم أخرى، مثل تراجع الخوف ومركزية كلمة (لا) وقيم المخاطرة والمبادرة التي كانت منحسرة وغير ظاهرة في خمسينيات وستينيات العصر، إضافة إلى تراجع دور الأسرة والتعليم ودور المؤسسة الدينية وتحوُّل الإعلام إلى إعلام نمطي تبعي للحاكم، يكرر ما يقوله ليلاً ونهاراً.
وأوضح "جبريل" أن الأجيال الجديدة شابة وفتية بنسبة 67 % من العالم العربي، وقدرت على التخلص من ظاهرة المؤثرات القديمة، إضافة إلى تدني النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة وسطهم، فإن الشاب التونسي "محمد بوعزيزي" لم يكن يعرف الديمقراطية أو يبحث عنها، بل دفعه الظروف الاقتصادية، وأن مصطلحات الربيع العربي لم تُعرف أو تُطرح في الدول التي قامت فيها، بل اقتحمت اقتحاماً؛ وبالتالي انطلاق هؤلاء الشباب بشكل عفوي سببه الظروف الاقتصادية التي جاءت متزامنة مع مشروع أمريكي يدعو للتحول من استراتيجية المواجهة إلى استراتيجية الاحتواء.
وأضاف بأنه في أثناء سقوط كل من تونس ومصر وليبيا لم تتدخل حركات الإخوان المسلمين وتنضم للشارع العربي منذ بداية الحراك؛ لأن الظاهرة كانت مفاجئة لحكام أوروبا وأمريكا، ولكن عند اكتشاف أن هذه الظاهرة ليست منظمة، ولا يوجد لها قيادة، كانت الفرصة سانحة للتوجه لسياسة الاحتواء، وأن حركات الإخوان هي حركات نضالية قارعت عدداً من الأنظمة منذ عام 1928، لكنها لم تبن على كيفية قيام نظام، بل بُنيت على كيفية هدم النظام.
وبيّن "أيمن الصياد" أن ما حدث من ثورات عربية ليس مؤامرة؛ لأننا لو اعتبرناها مؤامرة فإن أرواح الناس البريئة سوف تلعننا يوم القيامة، وأن "بوعزيزي" لم يكن بباله واشنطن بل كان يطالب بالعيش الكريم، وأن من نزل إلى ميدان التحرير يطالب بشعار أصبح عربياً بامتياز "الشعب يريد إسقاط النظام" لم يكن ينظر إلى واشنطن.
وتابع: الذي جرى هو حكم استبدادي، كان له أشباه في الدول العربية، هو من دفع جيلاً جديداً يطالب بمستقبل جديد، وأن محاولة الدول الإقليمية الاستفادة مما حدث شيء طبيعي؛ لأن لكل دولة مصالحها، وأن هذا لا يعني على الإطلاق أن ما جرى في يناير كان مؤامرة، وأن الخطأ الرئيس الذي وقع فيه الإخوان المسلمون أثناء أخذهم السلطة في مصر أنهم لم يستجيبوا لنداء الأشخاص الذين نزلوا لميدان التحرير، وأن كلمة النظام هنا تعني منظومة متكاملة تعني غياب العدالة وغياب لقمة العيش وغياب الكرامة الإنسانية.
وواصل: الإخوان المسلمون عند وصولهم للحكم لم يغيروا النظام بل احتفظوا به تماماً، وإن كل ما فعلوه هو محاولتهم تغيير الولاءات. وهناك متطلبات عديدة لم يغير الإخوان فيها شيئاً، منها الإصلاح المؤسسي الذي يتضمن ثلاث مؤسسات (الأمن والقضاء والإعلام)، ولم يصدروا مشروع استقلال القضاء الذي طالب به القضاة منذ أيام حسني مبارك.
فيما قال الدكتور "محيي الدين أتامان" من تركيا حول تجربة الإسلام السياسي في تركيا إن مصطلح الإسلام السياسي ظهر في القرن التاسع عشر ردة فعل للاستعمار الغربي، وفي القرن العشرين كان هناك تحالفان، هما الحركات اليسارية العلمانية والإسلاميون، وإن إخفاق الأنظمة في تطوير وتحديث أنظمتها كان سبباً رئيسياً في نمو الحركات الإسلامية التي لم تستطع تلبية طلبات شعوبها، إضافة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية العربية.
وأردف: في تركيا لا يوجد أي مجموعة إسلامية تستخدم العنف ضد الحكومة، بل تعمل على تكريس التوعية والنشاط الديني، باستثناء وحيد هو تمرد أحد الشيوخ الأكراد "سعيد"، كردي الأصل، الذي استخدم العنف ضد الدولة التركية. وإن من خصائص الإسلام في تركيا أنه لم يضع الدولة عدواً له، واحتفظ دائماً ببعده عن استخدام العنف والإرهاب، وهو تحت تأثير الحركة الوطنية ضد الغرب، وأصبحوا داعمين لتكامل تركيا مع الاتحاد الأوروبي.