حين عارضت تركيا الاجتياح الأميركي للعراق، في آذار (مارس) 2003، لم يكن الأمر ناجماً عن كونها ترفض منطق الغزو ومساندة الأجنبي في تغيير بلد عربي، مسلم، جار لتركيا. ذلك أن تركيا دولة ذات إرث عريق في الغزو والاحتلال، شاركت في الحرب الكوريّة، وغزت شمال قبرص عام 1974، وشاركت في الحرب على طالبان. فالمخاوف التركيّة من أن يستفيد كرد العراق من نظام ما بعد صدّام، كانت الرافعة الاستراتيجيّة والمحوريّة ل «الممانعة» التركيّة آنئذ. زد على ذلك أن نظام صدّام كانت تربطه علاقات واتفاقات استراتيجيّة مع الدولة التركيّة، خصوصاً في محاربة الكرد. نفس المخاوف التركيّة قبل 2003 من التغيير النوعي والجذري في العراق، تتجدد، حيال ما يجري الآن في سورية. وقد كتب الصديق والزميل يوسف الشريف مقالاً مهماً، تحت عنوان: «الإصلاح في سورية هو أيضاً مصلحة تركية» («الحياة» 11/4/2011)، ذكر فيه: «تركيا قلقة من احتمال انتقال الأزمة الى حدودها الجنوبية في حال خرج الوضع الأمني عن السيطرة في سورية، وهو ما يبرر هذا المشهد الذي تبدو فيه تركيا وكأنها تتدخل في الشأن الداخلي السوري بصورة صديق يقدم النصيحة أحياناً وبصورة أخ أكبر يبدي قلقه وخشيته...». أما انتقادات النظام التركي لحليفه السوري، فلذرّ الرماد في العيون، لئلا يوصف أردوغان وحكومته بدعم الاستبداد والفساد في سوريّة!. أما «نصح» النظام السوري فلم يكن في طريقة الاستجابة لمطالب الشعب السوري، بقدر ما كان في إطار الطريق الأسلم والأنجع الذي يمكن فيه النظام أن يمتصّ فورة الشعب وغضبه، وآليات تجنيبه مخاطر السقوط. ولو كان الدور التركي في سورية، حالياً، يقتصر على إسداء النصح بالاستجابة للمتظاهرين، لما أرسل أردوغان، مدير استخباراته الى دمشق!. وغالب الظنّ أن حجم المساندة التركيّة للنظام السوري، ستتضح وتتصاعد تباعاً، مع اتساع الاحتجاجات والتظاهرات في سورية. وستبقى تركيا تدعم النظام، حتّى لحظاته الأخيرة، مع تهيئتها لدورٍ فاعل ونشط في سورية ما بعد البعث. وذلك، عبر جماعة الإخوان المسلمين السورية، التي تربطها بتركيا وحكومتها الإسلاميّة علاقات جد وثيقة وقديمة. بل ليس من المستبعد، أن تجتاح تركيا المناطق الكرديّة، شمال وشمال شرقي سورية، لئلا يحصل الكرد السوريون على ما حصل عليه كرد العراق. الكرد السوريون البالغ عددهم نحو 3 ملايين، يعتبرهم كثيرون من المراقبين القوّة الاستراتيجيّة في أيّة انتفاضة أو عمليّة تغيير جذريّة في سورية. لذا، سعى النظام الى استمالتهم ومغازلتهم، لكنّه بدأ يتبرّم من حضورهم في الانتفاضة السوريّة. وهذا ما دفع مدير شعبة الاستخبارات العامّة الجنرال علي مملوك الى اتهام الحركة السياسيّة الكرديّة في سورية ب «العمالة لإسرائيل». وإذا حصل الكرد على مطالبهم وحقوقهم، في نظام ما بعد البعث، فستصبح تركيا في موقع حرج جدّاً، داخليّاً وخارجيّاً، لعدّة أسباب، أبرزها: 1- حصول 3 ملايين كردي سوري على حقوقهم المشروعة، بينما تمضي تركيا في عدم الاعتراف بوجود وهويّة وحقوق 20 مليون كردي. 2- سيتم دحض الادعاءات التركيّة، داخليّاً وخارجيّاً، من أن الكرد، دعاة انفصال. على العكس، سيظهر أن كرد سورية، ككرد العراق، يريدون العيش تحت سقف دولة المواطنة مما يطالب به كرد تركيا أيضاً. 3- الحدود الجنوبيّة لتركيا مع سورية والعراق، ستكون منتعشة كرديّاً، وستضطر تركيا الى الاعتراف بالحال الكرديّة السوريّة التي ستتشكّل في مرحلة ما بعد نظام البعث، كما جرى حيال كردستان العراق. وأيّاً يكن الأمر، فسقوط النظام السوري ليس في مصلحة تركيا. وإصلاحه «مصلحة تركيّة». لكنْ في حال مانع النظام الإصلاح، أو أسقطته الانتفاضة، فستكون لتركيا اختراقاتها في المعادلة السوريّة الجديدة، وستكون أكبر بكثير من حضورها في المعادلة العراقيّة، بعد سقوط صدام. * كاتب كردي سوري