لا يمكن لأحد أن ينكر أن الأرجنتيني ليونيل ميسي أو دافيد فيا نجمان من العيار الثقيل، وبإمكانهما تغيير مجرى أي مباراة بلمحة فنية أو تسديدة ماكرة، لكن ليس بإمكان أحد أيضا أن ينكر فضل الثنائي تشافي هرنانديز واندريس انييستا على برشلونة والمنتخب الإسباني على حد سواء؛ إذ إنهما رئتا النادي الكاتالوني و"لا فوريا روخا"، وأثبتا خلال الموسمين المنصرمين أنهما القلب النابض الذي يضخ الدم إلى عروق المهاجمين. لقد شكّل هذا الثنائي شراكة قلَّ نظيرها في ملاعب كرة القدم، وأصبحا من أفضل لاعبي الوسط في العالم، وأكبر دليل على ذلك أن نجما من عيار قائد آرسنال الإنجليزي فرانسيسك فابريغاس يكتفي بالجلوس على مقاعد احتياط المنتخب الإسباني خلال نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010؛ لأنه لا يتمكن من إزاحة أي منهما من التشكيلة الأساسية؛ وذلك أن المدرب فيسنتي دل بوسكي يدرك تماما مدى الأهمية الحيوية التي يؤمنها هذان اللاعبان لبطل أوروبا، كما حال مدرب برشلونة جوسيب غوارديولا. لا يمكن تحديد أهمية تشافي وانييستا بتمريراتهما البسيطة والسلسة والمتقنة وحسب، بل الذكاء الذي يتمتعان به هو ما يميزهما عن لاعبين آخرين، وهو الذي ساهم في قيادة إسبانيا إلى لقب كأس أوروبا للمرة الأولى منذ 1964، وبرشلونة إلى الظفر بستة ألقاب خلال عام 2009. "انتصار إسبانيا مرده إلى تبنيها فلسفة تمرير الكرة، ولأن لعبي يعتمد على هذه الفلسفة فقد نلت هذه الجائزة".. هذا ما قاله تشافي بعد اختياره أفضل لاعب في كأس أوروبا 2008 بعد قيادته منتخب بلاده للفوز على ألمانيا 1-صفر في النهائي. لكنَّ لاعب الوسط الذي يقوم بصناعة الألعاب في صفوف برشلونة منذ أكثر من عقد من الزمن ليس مجرد ممر جيد للكرة فحسب؛ فإلى جانب رؤيته الثاقبة وخياله في وسط الملعب فإن تشافي يبذل جهودا خارقة، ولا يتردد في الواجب الدفاعي أيضا، ويستطيع أن يشغل أي مركز في وسط الملعب، وهو قارئ جيد للعبة، ويمتاز بتسديدات قوية، ودائما ما يساهم بكثير من الأهداف لفريقه، ويجيد تسديد الكرات الثابتة، ويستطيع التأثير كثيرا على زملائه سواء في برشلونة أو في صفوف منتخب بلاده. وبعد أن تدرج في صفوف أكاديمية برشلونة في حقبة المدرب الهولندي الشهير يوهان كرويف وفريق الأحلام سار تشافي على خطى الرجل الذي كان ملهما لذلك الفريق، وهو مدربه الحالي في النادي الكاتالوني بيبي غوارديولا. في الواقع، تشافي هو الذي حلّ مكان غوارديولا المصاب موسم 1999-2000، وكان جاهزا للحلول مكانه بصورة دائمة عندما انتقل الأخير إلى الدوري الإيطالي. ومنذ ذلك الحين، ومهما كانت هوية المدرب الذي أشرف على برشلونة، فإن تشافي كان الاسم الأول على لائحته. ومهما كانت فلسفة مدرب برشلونة فإنه لم يجد لاعبا مثل تشافي القادر بلمحة أن يمرر كرة متقنة باتجاه زميله أو الخروج من موقف حرج بفضل استحواذه الرائع على الكرة أو حتى رغبته في تأمين الحماية لرباعي خط الدفاع. انضم تشافي إلى صفوف برشلونة منذ أن كان في الحادية عشرة من عمره، وبقي وفيا للفريق الكاتالوني، وعلى الأرجح سيبقى في صفوفه حتى نهاية مسيرته؛ بفضل الدور الذي يلعبه في صفوف أحد أعرق الأندية الأوروبية. أما على الصعيد الدولي، وبعد أن قاد منتخب بلاده إلى الفوز بكأس العالم دون 20 سنة عام 1999، وإلى مركز الوصيف في مسابقة كرة القدم لأولمبياد سيدني 2000، بدأ تشافي مشواره مع المنتخب الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2000، ولم يغب عن أي بطولة كبرى شارك فيها منتخب بلاده. يُعتبر تشافي محرك المنتخب الإسباني، وهو قائد بامتياز، ونادرا ما يخسر الكرة أو يقوم بتمريرة خاطئة.. إنه قائد أوركسترا خط الوسط، ويملك قدرة مذهلة على قراءة اللعبة، ويستطيع أن يفرض بصمته على مجرياتها. أصبح تشافي، كما حال زملائه، على بُعد 180 دقيقة فقط (في حال عدم التمديد) من أجل تحقيق حلم وضع منتخب بلاده في نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، والتأكيد أن "لا فوريا روخا" تخلص من صفة المنتخب المرشح الذي يخيّب آمال مناصريه في النهاية، وأنه أصبح المنتخب القادر على الذهاب حتى النهاية كما فعل قبل عامين عندما تُوِّج بكأس أوروبا للمرة الأولى منذ 1964. ويتحدث تشافي عن نفسه قائلا في حديث لموقع الاتحاد الدولي "إنني مولع بالإبداع في كرة القدم، شأني في ذلك شأن كرويف. نحن نحب هذا النوع من كرة القدم الهجومية والجذابة والجميلة. عندما تربح بهذه الطريقة يكون الرضا مضاعفا". ويؤكد النجم المميز فلسفته الهجومية عندما تناول موضوع خسارة بلاده مباراتها الأولى في النهائيات أمام سويسرا رغم سيطرتها المطلقة على مجريات اللقاء، قائلا: "لقد فازت سويسرا بأساليبها التكتيكية الخاصة، التي كانت تهدف إلى إبطال مفعول قوة إسبانيا الضاربة. كان التعادل يكفيهم، لكنهم تمكنوا من تحقيق الفوز. أنا لا أعرف ما يعنيه الفوز بهذه الطريقة؛ لأنني لم أجربه. دائما كنت ألعب من أجل الهجوم، وفلسفتي في كرة القدم واضحة ومحددة للغاية. لقد نشأت في برشلونة بهذا الأسلوب، وهو الأسلوب الذي يعجبني. أعتقد أن الفوز بهذه الطريقة شيء جيد؛ فنحن نسعى لتحقيق النصر منذ الدقيقة الأولى في كل مباراة". من المؤكد أن تشافي يدرك تماما معنى الانتصار وأهميته؛ فهو الذي تعج خزائنه بالكؤوس؛ حيث تُوِّج مع برشلونة بلقب الدوري المحلي خمس مرات، والكأس المحلية مرة واحدة، وكأس السوبر المحلية ثلاث مرات، ودوري أبطال أوروبا مرتين، وكأس السوبر الأوروبية مرة واحدة، وكأس العالم للأندية مرة واحدة، إضافة إلى فوزه مع منتخب بلاده بكأس العالم دون 20 عاما وكأس أوروبا. لكن كأس العالم ستكون التتويج الأعظم بالنسبة إلى تشافي أو إلى "نصفه الثاني" انييستا، الذي لا يقل شأنا عن زميله، وهو الذي التحق بأكاديمية النادي الكاتالوني حين كان في الثانية عشرة من عمره، وقد أظهر ابن مدينة الباسيتي منذ تلك الفترة قدرة هائلة على التحكُّم في الكرة وسط الميدان، وذكاء خارقا للعادة. كما تألق مع الفئات الصغرى للمنتخب الإسباني، وحاز معها كأس أوروبا تحت 16 سنة وتحت 19 سنة، وبلغ كذلك نهائي كأس العالم تحت 20 سنة عاما 2003. خاض انييستا أولى مبارياته مع كبار برشلونة في تشرين الأول/ أكتوبر 2002 حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وقد تطور تدريجيا ليصبح من الركائز التي لا غنى عنها في تشكيلة النادي الكاتالوني. يمتاز انييستا بالقدرة على شغل العديد من المراكز في وسط الملعب؛ إذ بإمكانه اللعب على الأطراف وفي المحور، ويتميز بسرعته ونظرته الثاقبة وحدسه المتقد. فاجأ مدرب إسبانيا السابق لويس اراغونيس الجميع عندما استدعى انييستا إلى تشكيلة المنتخب الأول للمشاركة معه في نهائيات مونديال ألمانيا 2006، ومنحه مباراته الدولية الأولى خلال لقاء ودي استعدادي عندما أدخله في الشوط الثاني أمام روسيا في 27 أيار/ مايو، ولم يغب عن "لا فوريا روخا" منذ حينها، لكن الإصابة حرمته من المشاركة في كأس القارات التي أُقيمت العام الماضي في جنوب إفريقيا، حيث خرج منتخب بلاده من الدور نصف النهائي على يد الولاياتالمتحدة، وكادت تحرمه أيضا من المشاركة في مونديال جنوب إفريقيا لكنه تعافى في الوقت المناسب ليكون إلى جانب تشافي وزملائه الآخرين، ثم أُصيب مجددا في المباراة الأولى أمام سويسرا؛ ما أجبره على عدم المشاركة في الثانية أمام هندوراس (2-صفر)، لكنه عاد في الثالثة الحاسمة أمام تشيلي (2-1) وسجّل الهدف الثاني ليؤمن تأهل بلاده إلى الدور الثاني. ويأمل اللاعب، الذي أُطلق عليه لقب "ال ايلوزيونيستا" (الساحر) أو "سيريبرو" (المخ) أن يواصل مشواره على المنوال ذاته؛ لأنه وتشافي القلب النابض الذي بإمكانه أن يحمل منتخب بلادهما إلى حلم الانضمام لنخبة المنتخبات التي رفعت الكأس المرموقة.