خصص خطيب المسجد الحرام بمكةالمكرمة خطبة الجمعة اليوم، للتعريف بفضائل شهر رمضان الكريم، موضحاً كيف كان شهراً لانتصارات المسلمين، فيما أشاد خطيب المسجد النبوي الشريف بالقرار الحكيم، الذي اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين بتخفيض عدد الحجاج والمعتمرين، لفترة مؤقتة حتى انتهاء مشروع توسعة المطاف، حرصاً على سلامتهم، مؤكداً أن الامتثال لهذا القرار واجب شرعاً. وأوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ صالح بن محمد آل طالب، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والعمل على طاعته، واجتناب نواهيه؛ ابتغاء مرضاته عز وجل.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة، التي ألقاها بالمسجد الحرام: يطوف بنا طائف العام بأيامه ولياليه، وانتصاراته ومآسيه، وحسناته ومساوئه، وقد علقت في النفس منها أوزار، وفتور وانكسارات، تثقل العبد في سيره إلى الله، وربما استوحش الطريق ومل الرفيق، ورتابة الأيام تثقله، فكان لابد للنفس في هذا الهجير من ظل تتفيأه لتستريح النفس وتتزود، فإن السفر طويل، والزاد قليل، فمنح الله الأكرم عباده شهراً كريماً وموسماً عظيماً، يتزود فيه المسلم ويقوى، ويرتفع في مدارج التقوى، شهر يروي عطش النفوس، ويفيض على الأرواح من بركاته، شهر ينتصر فيه العبد على شهوته وشيطانه، فأقبل علينا شهر رمضان المعظم فلمعت بشائره وعلاماته، وعمّ قليل يحل بنا، فكم حن إليه العباد، وشغف به العباد، وإن من نعم الله علينا أن من علينا بهذه المواسم المباركة.
وأشار فضيلته إلى أن شهر رمضان ربيع قلوب المؤمنين وبشرى للعابدين، فقد استوفى الشهر أنواع الكمال، وتجّلى بحلل الجمال، نهاره صيام، وليله قيام، شعاره القرآن، ودثاره البر والصدقة، والدعاء فيه مجاب العمل الصالح مرفوع، وفي كل ليلة عتقاء من النار، فأين التوابون؟
وأضاف الشيخ "آل طالب": أن ثواب الصائمين أمر مرده إلى الله الكريم سبحانه وتعالى، مؤكداً فضيلته أن مقصود الصيام ليس المطلوب منه التوقف عن الطعام والشراب، وإنما حكمة الصيام قهر النفس وإخراجها عن المألوف، وتذكر حال الأكباد الجائعة، والأسر المشردة، فكم من شعوب ثكلتها الخطوب وأوهنتها الحروب، فهناك إخوة لنا في الدين ليس لهم بعد الله إلا نحن، وإن الله هو الذي يعطي ويمنع، ويخفق ويرفع، وهو الذي استخلفكم فيما رزقكم لينظر كيف تعملون؟
وبين "فضيلته" أنه ثمة أيام معروفة في تاريخ المسلمين لما انتصروا على شهوات أنفسهم فنصرهم الله على من بغى عليهم، فهذه غزوة بدر الكبرى في رمضان، وهذا فتح مكة كذلك، وفتوح أخرى كالسند، وأنطاكية، وصقلية، ومعركة عين جالوت، وآخرها استرداد مصر لسيناء، وكلها في رمضان وهو معنى يجب أن نستلهمه خصوصاً هذه الأيام التي تكالبت فيها قوى الشر والفساد على كثير من المسلمين، وأظهر كثير من الناس ما كانت تكنه أنفسهم، وتخفيه من العداء لهذا الدين.
وأضاف "في هذه الأيام اشتد البأس على الكثير من المسلمين، وتحالف عليهم أشتات تفرقهم اللغة والدين، ويجمعهم العداء للإسلام، ولم يعلم المسلمون أن العداء ديني وعقائدي، فهذه آرآكان، وبورما، كلما انتهت موجة إبادة خرجت إلينا أخرى، وهذه الشام تتناوب عليها مطارق المجرمين، وتلك بلاد للمسلمين يعبث بها، وإننا في هذه الأيام نمر بمرحلة لم نرها منذ عقود، من هجوم أهل النفاق وارتفاع الصوت الذي يعادي شريعة الإسلام، وتنتهك القوانين الدولية والأعراف العالمية، والحقوق السياسية، وتنتهك حقوق الإنسان، وحقوق الطفل والمرأة، فقد تحالف خصوم الدين حتى جثوا على الركب حماسة في نصرة الظالم ونصر الباطل، وكبت الحق وقهر المظلوم؛ مما يستدعي المسلمين لليقظة والوعي، والاستمساك بحبل الله، فإنهم إن تركوه ضعفوا وإن أخذوه بوهن تسلط عليهم عدوهم".
ودعا فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الله، أن ينصر إخواننا في سوريا، وقد تمالأ أعداء العرب والمسلمين على حصار حمص، وإنه لابد أن يعي كل مسلم أنه من أولى الوصايا في معركة بدر أن لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا فإن الله مع الصابرين.
وقال "فضيلته": نستبشر بما قدمته المملكة العربية السعودية في قضية إخواننا في سوريا، وحمل قضيتهم في المحافل الدولية والمنظمات العالمية، ودفع الدول الكبرى للتدخل بما ينهي هذه المأساة، ووقفة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - هي وقفات كريمة ومقدرة لهذه الصفحة الدامية من تاريخ سوريا وعودة السلم للشام، سدد الله الخطى، وبارك في الجهود، وحفظ الله بلاد المسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها.
وفي المدينةالمنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ صلاح البدير، المسلمين بتقوى الله عز وجل، فبها تحصل البركة، وبالعلم تندفع الفوضى.
وقال "فضيلته" في خطبته الجمعة: إن ليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة المشرفة والطواف بها، وأن حج التطوع وعمرة التطوع وتكرارهما فضيلة، والطواف بالكعبة لغير المحرم قربة والعمرة في رمضان سنة، تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ترك ذلك كله بقصد التوسيع والتخفيف في وقت شدة الزحام المفضي إلى الضرر والمشقة والحرج وتعسر الحركة، وقصد الأذى والفوضى المنافية للعبادة، أولى في السعي وأقرب إلى البر، وإن التوسيع للضعفاء وكبار السن، ممن يؤدون الحج والعمرة الواجبة من صنع أهل الفقه والعقل.
وبين "فضيلته" أن الترك إذا كان مقروناً بقصد حسن فهو عبادة وقربة، واستشهد بقول الشيخ ابن باز رحمه الله عندما قال: "ترك الاستكثار من الحج بقصد التوسعة على الحجاج، وتخفيف الزحام عنهم، نرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج، إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب".
وأوضح "فضيلته" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الإطالة في الصلاة، وكان يريدها لما سمع بكاء الصبي دفعاً للمشقة عن أمه، فعن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأقوم بالصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه).
وحث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، المسلمين على مراعاة الطوارئ، والعوارض، والظروف، والأحوال، حيث هو مطلوب شرعاً ومستحسن عقلاً، وأن الفقهاء قد نصوا على ذلك، فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم (كيف صنعت باستلام الحجر؟ فقلت: استلمت وتركت. قال: أصبت) أي أنه استلم في غير زحام، وتركه حال الزحام، وأن المصلحة العامة والضرورة الشرعية تؤيد القرار الحكيم، الذي اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين بتخفيض عدد الحجاج والمعتمرين لفترة مؤقتة حتى انتهاء مشروع توسعة المطاف رعايةً لمصالحهم وحرصاً على سلامتهم، وأن الامتثال لهذا القرار واجب شرعاً.
وأبان "فضيلته": أن الصدقة أفضل من حج التطوع، وعمرة التطوع إذا كان ثم رحم محتاجة، أو زمن مجاعة، أو كان هناك مسلمون مضطرون إلى الصدقة.